خطبة الجمعة للشيخ علي الصددي – ٣٠/ ٩/ ١٤٤٤هـ الموافق 21 أبريل 2023م جامع الإمام الصادق(ع) – الدراز
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
الخطبة الأولى:
أعوذ بالله السميع العليم من الشيطان الغوي الرجيم ..
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله أهل الحمد ووليّه، ومنتهى الحمد ومحلّه، البديء البديع، الأجلّ الأعظم، الأعزّ الأكرم، المتوحّد بالكبرياء، والمتفرّد بالآلاء، القاهر بعزّه، والمتسلّط بقهره، الممتنع بقوته المهيمن بقدرته، والمتعالي فوق كلّ شيء بجبروته، المحمود بامتنانه وبإحسانه، المتفضّل بعطائه وجزيل فوائده، الموسع برزقه، المسبغ بنعمه، نحمده على آلائه وتظاهر نعمائه، حمدا يزن عظمة جلاله ويملأ قدر آلائه و كبريائه.
وأشهد أن لا إله إلا الله وحده، لا شريك له، الذي كان في أوليّته متقادما، وفي ديموميّته متسيطرا، خضع الخلائق لوحدانيّته وربوبيته وقديم أزليّته، ودانوا لدوام أبديّته.
وأشهد أن محمدا (صلى الله عليه وآله) عبده ورسوله وخيرته من خلقه، اختاره بعلمه واصطفاه لوحيه، وائتمنه على سرّه، و ارتضاه لخلقه، وانتدبه لعظيم أمره، ولضياء معالم دينه ومناهج سبيله، ومفتاح وحيه، وسببا لباب رحمته، أرسله إلى الناس أجمعين رحمة للعالمين بكتاب كريم، قد فضّله وفصّله وبيّنه وأوضحه وأعزّه وحفظه من أن يأتيه الباطل من بين يديه ومن خلفه، تنزيل من حكيم حميد، ضرب للناس فيه الأمثال وصرف فيه الآيات لعلهم يعقلون، أحل فيه الحلال وحرم فيه الحرام، وشرع فيه الدين لعباده عذرا ونذرا؛ لئلا يكون للناس على الله حجة بعد الرسل، ويكون بلاغا لقوم عابدين، فبلّغ رسالته، وجاهد في سبيله، وعبده حتى أتاه اليقين (صلى الله عليه وآله وسلّم تسليما كثيرا).
أوصيكم عباد الله وأوصي نفسي بتقوى الله الّذي إليه تصير الأمور، وله عاقبتها، وقد جعل العاقبة الكريمة لتقواه والعمل بمحابّه والترك لمساخطه، فقال سبحانه: “.. وَٱلۡعَاقِبَةُ لِلتَّقۡوَىٰ”- طه: ١٣٢-، وجعل- جلّ وعلا- العاقبة الحسنة والمحمودة من الجنّة ورضاه وكرامتهللمتّقين من عباده، فقال سبحانه: “.. وَٱلۡعَٰقِبَةُ لِلۡمُتَّقِينَ”- الأعراف: ١٢٨-.
أمّا بعد أيّها المؤمنون والمؤمنات فإلى عناوين :
العنوان الأوّل: عدل عليّ (عليه السلام):
ولا زلنا نتفيأ ظلال أمير المؤمنين (عليه السلام)، ونستمير من عطائه، والأمنيّة على السادة خطباء المنبر الموقّرين- شكر الله لهم جهودهم وأجزل مثوبتهم- أن يتخذوا من الليالي العشر- من لدن ليلة جرح أمير المؤمنين (عليه السلام) وحتى ليلة التاسع والعشرين من الشهر الكريم- (نعم أن يتخذوا من هذه الليالي العشر) فضاءً واسعاً للحديث عن أمير المؤمنين (عليه السلام)، ولن تعود هذه كافية لاستيعاب عليّ (عليه السلام)، فكيف بثلاث ليال؟! هذا، وأسلفت الحديث عن نفحة من حكومة عليّ (عليه السلام) وعدله ومساواته في عطائه بين رعيّته قريبها منه وبعيدها عنه، ومحاربته للفساد واستنقاذه للأموال العامّة.
ولا يفوتني في آخر موسم عليّ (عليه السلام) أن أعرض معلما من دولته الكريمة وحكومته العدل، وهو الإصلاح العامّ، وقد عرّف (عليه السلام) الدنيا كلّها بأنّ التأمّر على الناس ليس في قاموسه، وأنّ الحكومة بالنسبة له ليست بذات خطر ولا غايته القصوى، وقد أوضح (صلوات الله عليه) ذلك بعدّة بيانات، فقد حكى الشريف الرضي (رضي الله عنه) في (نهج البلاغة) عن عبد الله بن العباس أنّه قال: دخلت على أمير المؤمنين (عليه السلام) بذي قار وهو يخصف نعله، فقال لي: “ما قيمة هذا (هذه)النعل”؟ فقلت: لا قيمة لها، فقال (عليه السلام): “والله لهي أحب إليّ من إمرتكم إلا أن أقيم حقّاً أو أدفع باطلا”. وهو القائل- كما في نهج البلاغة أيضاً-: “اللهمّ إنّك تعلم أنّه لم يكن الّذي كان منّا منافسةً في سلطان ولا التماس شيء من فضول الحطام، ولكن لنردّ المعالم من دينك، ونظهر الإصلاح في بلادك، فيأمن المظلومون من عبادك، وتقام المعطّلة من حدودك”. ويقول في خطبته الشقشقية: “أما والّذي فلق الحبّة وبرأ النسمة لولا حضور الحاضر وقيام الحجّة بوجود الناصر، وما أخذ الله على العلماء أن لا يقارّوا على كظّة ظالم ولا سغب مظلوم لألقيت حبلها على غاربها، ولسقيت آخرها بكأس أولها، ولألفيتم دنياكم هذه أزهد عندي من عفطة عنز”، هذا ما رسمه وأوقف الناس عليه ليشهدوا له وعليه على مستوى الممارسة والتطبيق وأنّه ليس محض شعارات وفقاعات إعلاميّة حبلى بالهواء.
ولم يكتفِ (عليه السلام) بذلك، ولكنّه كفل حرّية التعبير وإبداء الرأي، ففي نهج البلاغة أيضاً أنّه قال: “فلا تكلّموني بما تُكلّم به الجبابرة، ولا تتحفّظوا منّي بما يتحفظ به عند أهل البادرة، ولا تخالطوني بالمصانعة، ولا تظنّوا بي استثقالا في حقٍّ قيل لي ولا التماس إعظام لنفسي؛ فإنّه من استثقل الحقّ أن يقال له أو العدل أن يعرض عليه كان العمل بهما أثقل عليه، فلا تكفّوا عن مقالة بحقّ أو مشورة بعدل”.
ثم قد ناصف (عليه السلام) رعيّته فكما له عليهم حقّ فقد ضمن لهم عليه حقّاً سمّاه، وهو أن يخلص لهم ولا يغشّهم ويلتوي على مصالحهم، وأن لا يتّخذ المال العامّ مغنماً له ومرتعاً لإشباع نهمه، بل يصرفه فيهم ولهم، فقال- كما في نهج البلاغة-: “أيّها الناس إنّ لي عليكم حقّاً ولكم علي حقّ، فأمّا حقّكم عليَّ فالنصيحة لكم، وتوفير فيئكم عليكم، وتعليمكم كيلا تجهلوا، وتأديبكم كيما تعلموا”، وفي عهده الكريم لمالك الأشتر حينما ولّاه على مصر يقول (صلوات الله عليه)- لافتاً إلى أنّ المال العامّ مال الرعية-: “وأشعر قلبك الرحمة للرعية والمحبة لهم واللطف بهم، ولا تكونن عليهم سبعاً ضارياً تغتنم أكلهم؛ فإنّهم صنفان، إمّا أخ لك في الدين، وإمّا نظير لك في الخلق”.
ونراه يقابل من عاتبه على تسويته في العطاء بقوله- كما في نهج الشريف-: “أتأمرونّي أن أطلب النصر بالجور فيمن وُلّيت عليه، والله ما أطور به- يعني أنّه لا يحوم حوله ولا يقربه- ما سمر سمير وما أمّ نجم في السماء نجما، لو كان المال لي لسوّيت بينهم، فكيف وإنّما المال مال الله، ألا وإن إعطاء المال في غير حقّه تبذير وإسراف، وهو يرفع صاحبه في الدنيا ويضعه في الآخرة، ويكرمه في الناس ويهينه عند الله”.
وفيما يتصل بمظالم الناس وإنصاف محقّهم من مبطلهم نسمعه مقسماً- ومن أبرّ منه في القسم- فيقول- كما في النهج الشريف-: “وأيم الله لأنصفن المظلوم من ظالمه، ولأقودن الظالم بخزامته، حتى أورده منهل الحقّ وإن كان كارها”. ويقول (عليه السلام) في عهده لمالك الأشتر: “وأنصف الناس من نفسك ومن خاصّة أهلك ومن لك فيه هوىً من رعيّتك، فإنّك إلّا تفعل تظلم، ومن ظلم عباد الله كان الله خصمه دون عباده، ومن خاصمه الله أدحض حجّته، وكان لله حربا حتى ينزع ويتوب، وليس شيء أدعى إلى تغيير نعمة الله وتعجيل نقمته من إقامة على ظلم؛ فإن الله سميعدعوة المضطهدين، وهو للظالمين بالمرصاد”.
ولم يهمل عليّ (عليه السلام) الكشف عن ذمّته الماليّة عند ابتداء حكمه وبعده، فعن كتاب الغارات بسنده عن بكر بن عيسى قال: كان عليّ (عليه السلام) يقول: يا أهل الكوفة إن خرجت من عندكم بغير رحلي وراحلتي وغلامي فأنا خائن”. ومن كلام له (صلوات الله عليه) يتصل بهذا الأمر- كما في النهج-: “والله لقد رقعت مدرعتي هذه حتى استحييت من راقعها، ولقد قال لي قائل: ألا تنبذها؟ فقلت: اغرب عنّي فعند الصباح يحمد القوم السرى”.
العنوان الثاني: وداع شهر الله:
ونحن ننشق عطر آخر يوم من أيام شهر رمضان لا بدّ أن نستذكر ما يستذكره الأولياء والصالحون وهم يودّعون شهر الله، فها هو زين العابدين عليّ بن الحسين (عليه السلام) يودّع شهر رمضان- بحسب ما في الدعاء الخامس والأربعين من أدعية الصحيفة السجّادية- فيقول فيه: “السلام عليك يا شهر الله الأكبر ويا عيد أوليائه، السلام عليك يا أكرم مصحوب من الأوقات، و يا خير شهر في الأيام والساعات، السلام عليك من شهر قرُبت فيه الآمال، ونشرت فيه الأعمال”، ولا بدّ للمؤمن- بعد أن يتمثّل نصب عينيه خيرات وبركات هذا الشهر- أنّ يرى تصرّمه وانصرافه واحدة من الفجائع، ويداخله رجاء عوده مصحوباً بألم فراقه له، ففي الدعاء السجّادي يقول زين العابدين (عليه السلام):”السلام عليك من قرين جل قدره موجودا، وأفجع فقده مفقودا، ومرجوٍّ آلم فراقه”.
ومن جملة ما ينبغي للمؤمن أن يستشعره وشهر رمضان ينصرف عنه هو شعور التقصير حيال الوظائف المرسومة له في هذا الشهر من الصيام والقيام والدعاء وتلاوة القرآن وما إلى ذلك، فيقرّ على نفسه بالإساءة لها، ويسجّل عليها الاعتراف بإضاعة الفرص المتاحة- وما أوفرها على مدى ثلاثين يوماً وليلة-، ولا يبارحه تبعاً لإقراره ما يجده من صدق الندم على التقصير والتضييع، ويشفع ذلك بالتماس العذر، ففي الدعاء السجّادي يقول زين العابدين (عليه السلام): “وقد تولينا بتوفيقك صيامه وقيامه على تقصير، وأدينا فيه قليلا من كثير، اللهم فلك الحمد إقرارا بالإسائة واعترافا بالاضاعة، ولك من قلوبنا عقد الندم، ومن ألسنتنا صدق الاعتذار”. وفي المأثور من الأدعية الّذي يقرأ في العشر الأواخر من الشهر: “اللهم أدِ عنّا حقّ ما مضى من شهر رمضان، وأغفر لنا تقصيرنا فيه، وتسلّمه منّا مقبولا، ولا تؤاخذنا بإسرافنا على أنفسنا، واجعلنا من المرحومين، ولا تجعلنا من المحرومين”.
وممّا لا ينبغي أن يغيب علينا- ونحن نودّع شهر الله مستذكرين ما اكتسبناه وواقعناه فيه في حقّ أنفسنا وغيرنا- هو أمر التوبة وطلب العفو والمغفرة عن ذلك، ففي الدعاء السجّادي يقول زين العابدين (عليه السلام): “اللهم و ما ألممنا به في شهرنا هذا من لمم أو أثم، أو واقعنا فيه من ذنب واكتسبنا فيه من خطيئة على تعمد منا، أو على نسيان ظلمنا فيه أنفسنا، أو انتهكنا به حرمة من غيرنا، فصل على محمد وآله، واسترنا بسترك، واعف عنا بعفوك ولا تنصبنا فيه لأعين الشامتين، ولا تبسط علينا فيه ألسن الطاعنين، واستعملنا بما يكون حطة وكفارة لماأنكرت منا فيه برأفتك التي لا تنفد، وفضلك الذي لا ينقص”.
ثمّ ينبغي للمؤمن أن يتلو هذا الدعاء سيما في يوم عيده ليقف على ما سوى ما سقناه من معاني واستذكارات.
العنوان الثالث: زكاة الفطرة وموقعيّتها:
والفطرة في هذا العنوان إمّا بمعنى الخلقة فزكاة الفطرة أي زكاة البدن من حيث إنّها تطهّره عن الأوساخ أو أنّها تحفظه عن الموت، فإنّه يخشى على من لم تؤدّ عنه الموت، وإمّا أن تكون الفطرة بمعنى الدين، أي زكاة الإسلام والدين، وإمّا بمعنى الإفطار؛ لأنّ وجوبها يكون يوم الفطر.
وهي فريضة إلهيّة، فقد روى شيخ الطائفة الشيخ الطوسيّ (رضي الله عنه)- بسندٍ معتبر- عن إسحاق بن المبارك قال: سألت أبا إبراهيم (عليه السلام) عن صدقة الفطرة أهي ممّا قال الله تعالى: أقيموا الصلاة وآتوا الزكاة؟- وهي ثمان آيات في كتاب الله سبحانه- فقال: نعم..”.
ولهذه الزكاة فوائد وآثار، ومن فوائدها أنها تدفع الموت في تلك السنة عمّن أدّيت عنه، فقد روى ثقّة الإسلام الشيخ الكلينيّ (رضي الله عنه) في (الكافي)، ورئيس المحدّثين الشيخ الصدوق (رضي الله عنه) في (من لا يحضره الفقيه) و (علل الشرائع)- بسند صحيح- عن معتَّب- وهو أحد موالي وثقات الإمامين الصادق والكاظم (عليهما السلام)- عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال: قال: “اذهب فأعط عن عيالنا الفطرة، وأعط عن الرقيق (بأجمعهم)، ولا تدع منهم أحدا، فإنّك إن تركت منهم إنسانا تخوّفت عليه الفوت”، قلت: وما الفوت؟ قال: “الموت”.
ومن فوائدها أنّها توجب قبول الصوم؛ فقد روى الصدوق (رضي الله عنه) في (المعاني والتوحيد والمجالس)- بسند معتبر-عن أبان وغيره عن الصادق جعفر بن محمد (عليهما السلام) قال: “من ختم صيامه بقول صالح أو عمل صالح تقبّل الله منه صيامه”، فقيل: يا ابن رسول الله، ما القول الصالح؟ قال: “شهادة أن لا إله إلا الله، والعمل الصالح إخراج الفطرة”.
وروى الشيخ الصدوق (رحمه الله) في (الفقيه) وشيخ الطائفة الطوسيّ (رحمه الله) في (التهذيب والاستبصار) بسند صحيح- عن زرارة أو عن أبي بصير وزرارة جميعا قالا: قال أبو عبد الله (عليه السلام): إنّ من تمام الصوم إعطاء الزكاة- يعني: الفطرة-، كما أنّ الصلاة على النبيّ (صلّى الله عليه وآله وسلّم) من تمام الصلاة؛ لأنّه من صام ولم يؤد الزكاة فلا صوم له إذا تركها متعمّدا، ولا صلاة له إذا ترك الصلاة على النبيّ(صلّى الله عليه وآله)، إنّ الله (عزّ وجلّ) قد بدأ بها قبل الصلاة فقال: “قَدۡ أَفۡلَحَ مَن تَزَكَّىٰ :: وَذَكَرَ ٱسۡمَ رَبِّهِۦفَصَلَّىٰ”- الأعلى: ١٤، ١٥-.
هذا وفي ضوء قوله سبحانه: “قَدۡ أَفۡلَحَ مَن تَزَكَّىٰ”نتبيّن الفرق بين هذه الزكاة وبين زكاة الأموال، ففي زكاة الأموال تحصل الطهارة لنفس الأموال الّتي أخرجت زكاتها، ويترتّب عليها طهارة لنفس المزكّي، فيخفّ أو يتخفّف تعلّق قلبه بالمال، وقد يتحرّر القلب من تعلّقه بالمال، قال الله سبحانه: “خُذۡ مِنۡ أَمۡوَٰلِهِمۡ صَدَقَةٗ تُطَهِّرُهُمۡ وَتُزَكِّيهِم بِهَا..”- التوبة: ١٠٣-، وقد تنتهي الزكاة أو الصدقة بصاحبها من الطهر إلى أن يوقى بسببها شحّ نفسه، ومنه إلى الفلاح المحتوم، قال الله سبحانه: “وَمَن يُوقَ شُحَّ نَفۡسِهِۦ فَأُوْلَٰٓئِكَ هُمُ ٱلۡمُفۡلِحُونَ”- الحشر: ٩، التغابن: ١٦-، هذا كلّه في الحديث عن زكاة الأموال وتطهيرها، وأمّا زكاة الفطرة- والّتي قال الله عنها خاصّة دون سائر الزكوات-: “قَدۡ أَفۡلَحَ مَن تَزَكَّىٰ”-، فإنّها تزكية لذات العبد؛ إذ قد أسندت التزكية إليه لا إلى أمواله.
اللهم صل على محمد وآله، واغفر لنا ولجميع المؤمنين والمؤمنات، وتب علينا إنّك أنت التوّاب الرحيم، اللهم إنّا نحبّ محمّداً وآل محمد فاحشرنا معهم، اللهم إنّا نحبّ عمل محمّد وآل محمّد فأشركنا في عملهم، اللهم أرنا في آل محمّد (عليهم السلام) ما يأمَلون، وفي عدوّهمما يحذرون، اللهم انصر من نصر الدين، واخذل من خذل الدين، وأحلل غضبك بالقوم الظالمين.
ثم إن أحسن القصص وأبلغ الموعظة وأنفع التذكّر كتاب الله (عزّ وجلّ) قال الله (عزّ وجلّ)”: وإذا قرئ القرآن فاستمعوا له وأنصتوا لعلكم ترحمون”.
أستعيذ بالله من الشيطان الرجيم ” بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ “وَالْعَصْرِ (1) إِنَّ الْإِنْسَانَ لَفِي خُسْرٍ (2) إِلَّا الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ وَتَوَاصَوْا بِالْحَقِّ وَتَوَاصَوْا بِالصَّبْرِ (3)”…………………………………………………………………….
الخطبة الثانية
الحمد لله الخافض الرافع، الضارّ النافع، الجواد الواسع، الجليل ثناؤه، الصادقة أسماؤه، المحيط بالغيوب وما يخطر على القلوب، الّذي جعل الموت بين خلقه عدلا، وأنعم بالحياة عليهم فضلا، فأحيا وأمات وقدر الأقوات، أحكمها بعلمه تقديرا، وأتقنها بحكمته تدبيرا؛ إنّه كان خبيرا بصيرا، هو الدائم بلا فناء، والباقي إلى غير منتهى، يعلم ما في الأرض وما في السماء، وما بينهما وما تحت الثرى.
وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له لم يكن شيء قبله، ولا يكون شيء بعده.
وأشهد أن محمّدا (صلّى الله عليه وآله) عبده ورسولهاصطفاه بالتفضيل، وهدى به من التضليل، اختصّه لنفسه، وبعثه إلى خلقه برسالاته وبكلامه، يدعوهم إلى عبادته وتوحيده والإقرار بربوبيته والتصديق بنبيّه (صلّى الله عليه وآله)، بعثه على حين فترة من الرسل، وصَدَف عن الحقّوجهالة بالربّ، وكفر بالبعث والوعيد، فبلّغ رسالاته، وجاهد في سبيله، ونصح لأمّته، وعبده حتى أتاه اليقين (صلّى الله عليه وآله كثيرا).
عباد الله وإماءه وأهل طاعته، أوصيكم ونفسي بتقوى الله، ومن اتّقاه اهتدى، وتأهّل لهدىً بعد هدى، وكان للموعظة أهلا؛ قال الله سبحانه: “هَٰذَا بَيَانٌ لِّلنَّاسِ وَهُدٗى وَمَوۡعِظَةٌ لِّلۡمُتَّقِينَ”- آل عمران: ١٣٨-.
اللهم صلّ على محمد خاتم النبيّين والمرسلينالصادق الأمين، وعلى عَليٍّ أميرِ المُؤمِنينَ وَوَصيِّ رَسولِ رَبِّ العالَمينَ وعَلى الصِّدّيقَةِ الطَّاهِرَةِ فِاطِمَةَ سَيِّدَةِ نِساءِ العالَمينَ، وَصَلِّ عَلى سِبطَي الرَّحمَةِ وَإمامَي الهُدى الحَسَنِ وَالحُسَينِ، وَصَلِّ عَلى أئِمَّةِ المُسلِمينَ عَليِّ بنِ الحُسَينِ وَمُحَمَّدِ بنِ عَليٍّ وَجَعفَرِ بنِ مُحَمَّدٍ وَموسى بنِ جَعفَرٍ وَعَليِّ بنِ موسى وَمُحَمَّدِ بنِ عَليٍّ وَعَليِّ بنِ مُحَمَّدٍ وَالحَسَنِ بنِ عَليٍّ وَالخَلَفِ الهادي المَهدي، حُجَجِكَ عَلى عِبادِكَ وَاُمَنائِكَ في بِلادِكِ صَلاةً كَثيرَةً دائِمَة. اللهُمَّ وَصَلِّ عَلى وَليِّ أمرِكِ القائِمِ المُؤَمَّلِ وَالعَدلِ المُنتَظَرِوَحُفَّهُ بِمَلائِكَتِكَ المُقَرَّبينَ وَأيِّدهُ بِروحِ القُدُسِ يا رَبَّ العالَمينَ,اللهم واحفظ وسدّد وأيّد نوّابه بالحقّ، والفقهاء العدول، والعلماء العاملين.
أمّا بعد أيّها الملأ الكريم من المؤمنين والمؤمناتفإلى موضوعين:
الموضوع الأوّل: مراجعة وتقييم العمل:
وبعد أن أفرغ الكتبة الكرام أعمالنا في صحائفنا مشفوعة بما انطوت عليه ضمائرنا من نوايا ودواعٍ عند فعلها، ترى هل هي نصيب الله حيث نخلص وتخلص له أم هي شرك آخرين معه قد وفّرها الله بعدله للآخرين؛ إذ لا يقبل إلا ما خلص له وأخلص هو به؟ وسأقصر الكلام على غير التعاطيات والأفعال الفرديّة منّي ومنك من صلاة وصوم ودعاء وتلاوة وما إلى ذلك، وأركّز على التعاطيات والأنشطة الاجتماعية كتلك الّتي تتولّاها الحسينيات والمؤسّسات الاجتماعية الأخرى من إقامة مجالس وعقد محاضرات وما إلى ذلك ممّا لا يخلو من تسابق وتنافس بين المؤسّسات، فهل كان وجه الله سبحانه هو رائدنا أبداً ودائماً فيما نأتي وندع، فلم نسمح للرياء والسمعة وحبّ الظهور أن يتسلل إلى تلكم الأنشطة والفعاليات، بل استحثّنا وحفّزنا وجه الله سبحانه- ولأنّه الّذي نترسمه- على أن ننسق كمؤسّسات فيما بيننا لإنجاح فعاليات غير ما ننتمي إليه من مؤسّسة أيضاً ومن غير أن ننشد كثرة المرتادين وإعجاباتهم وما هو على نمطه؟ هذه الإثارات والاستفهامات تدعونا إلى مراجعة تلكم الأنشطة والفعاليات وتقييمها التقييم الّذي لا يقف عند صورتها وقشرها الذي يخفي ما في لبّها، بل ينتهي إلى واقعها وإن أفرزناه عنها وهو النوايا والدخائل والدواعي، فرب صالح من الأعمال عاد هباءً وهواء لا يستتبع ثواباً وكرامة بما خامر فاعله من نيّة حمقى وداعٍ سفيه. وينبغي لنا ومنّا جميعاً أن نصانع وجه الله الكريم وحده، وفي المأثور عن النبيّ (صلى الله عليه وآله): “اعمل لوجه واحد يكفيك الوجوه كلها”- ميزان الحكمة- وليس إلا وجه الله سبحانه، وفي المأثور من مناجاة لزين العابدين (عليه السلام): “واجعل جهادنا فيك، وهمّنا في طاعتك، وأخلص نياتنا في معاملتك”.
الموضوع الثاني: مصادرة وإقطاع الوقفيات:
بمرأىً ومسمع من وزارة العدل وإدارة الأوقاف الجعفرية تمّت مصادرة وإقطاع جملة من الوقفيات، منها أرض في برّ (سار) ترجع وقفيّتها إلى مأتم آل عبد الحيّ استنادًا على حكم المحكمة. فهل الصمت المطبق من الوزارة والإدارة هو الصدى المناسب والمقنع لهذا الواقع؟
ثمّ كما لا يمكن أن ننسى جريمة هدم المساجد كذلك لا يمكن أن نتغاضى عن هذا الجرم والتعدّي المشهود بحقّ الوقفيات الشرعيّة. ونؤكّد على لزوم إعادة بناء ما هدم من المساجد وأنّ أرض ما بني منها في غير موقعها تبقى أرضاً مسجديّة شرعاً لازمة المراعاة.
اللهم صلّ على محمّد وآل محمّد، اللهم أصلح كلّ فاسد من أمور المسلمين، واغفر لنا ولجميع المؤمنين والمؤمنات، وتجاوز عنّا، وهب لنا رحمة واسعة جامعة نبلغ بها خير الدنيا والآخرة، إله الحقّ وخالق الخلق.
“إِنَّ ٱللَّهَ يَأۡمُرُ بِٱلۡعَدۡلِ وَٱلۡإِحۡسَٰنِ وَإِيتَآيِٕ ذِي ٱلۡقُرۡبَىٰوَيَنۡهَىٰ عَنِ ٱلۡفَحۡشَآءِ وَٱلۡمُنكَرِ وَٱلۡبَغۡيِۚ يَعِظُكُمۡ لَعَلَّكُمۡ تَذَكَّرُونَ”.

