خطبة الجمعة للشيخ علي الصددي – ٢٣/ ٩/ ١٤٤٤هـ الموافق 14 أبريل 2023م جامع الإمام الصادق(ع) – الدراز
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
الخطبة الأولى:
أعوذ بالله السميع العليم من الشيطان الغوي الرجيم ..
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله العظيم شأنه، الواضح برهانه، أحمده على حسن البلاء، وتظاهر النعماء، وأستعينه على ما آتانا من الدنيا والآخرة، وأتوكل عليه، وكفى بالله وكيلا.
وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، له الملك وله الحمد، يحيي ويميت، ويميت ويحيي، وهو على كل شئقدير إلها واحدا أحداً صمدا لم يتخذ صاحبة ولا ولدا، ولم يشرك في حكمه أحدا، رب كل شئ، ربنا ورب آبائنا الأولين.
وأشهد أن محمدا عبده ورسوله- صلى الله عليه وآله- أرسله بالهدى ودين الحق ليظهره على الدين كله ولو كره المشركون، ارتضاه لنفسه، وانتجبه لدينه، واصطفاه على جميع خلقه لتبليغ الرسالة بالحجة على عباده، فصلى الله عليه وعلى الأخيار من أهل بيته، والسلام عليه وعليهم ورحمة الله وبركاته.
عباد الله وإماءه وأهل طاعته: أوصيكم ونفسي بتقوى الله ٱلَّذِيٓ أَنتُم بِهِۦ مُؤۡمِنُونَ، وَهُوَ ٱلَّذِيٓ إِلَيۡهِ تُحۡشَرُونَ، وهابوه على قدر قربه منكم، فهو أقرب إلى الإنسان من حبل وريده، واخشوه وخافوه بقدر قدرته عليكم، وَمَا كَانَ ٱللَّهُلِيُعۡجِزَهُۥ مِن شَيۡءٖ فِي ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَلَا فِي ٱلۡأَرۡضِۚ إِنَّهُۥ كَانَ عَلِيمٗاقَدِيرٗا.
أمّا بعد أيّها المؤمنون والمؤمنات فإلى عناوين :
العنوان الأوّل: عدل عليّ (عليه السلام):
ونحن نعيش أجواء شهادة أمير المؤمنين (عليه السلام) لا يفوتنا أن نقتبس من نوره وأن نستعرض نهجاً في حكومته لا يتخلف، وهو عدله (عليه السلام) في العطاء ومساواته فيه بين رعيّته بعيدها عنه وقريبها منه،وهو القائل- كما في نهج البلاغة-: “والله لأن أبيت على حسك السعدان مسهدا، وأجرّ في الأغلال مصفّدا، أحبّ إليّ من أن ألقى الله ورسوله يوم القيامة ظالما لبعض العباد، وغاصبا لشيء من الحطام. وكيف أظلم أحداً لنفسٍ يسرع إلى البلى قفولها، ويطول في الثرى حلولها، والله لقد رأيت عقيلا، وقد أملق حتى استماحني من برّكم صاعا، ورأيت صبيانهشعث الشعور غبر الألوان من فقرهم كأنما سودت وجوههم بالعظلم، وعاودني مؤكدا، وكرّر علي القول مردِّدا فأصغيت إليه سمعي فظن أنّي أبيعه ديني وأتبع قياده مفارقاً طريقي، فأحميت له حديدة ثم أدنيتها من جسمه ليعتبر بها، فضجّ ضجيج ذي دنف من ألمها، وكاد أن يحترق من ميسمها. فقلت له: ثكلتك الثواكل يا عقيل، أتئن من حديدة أحماها إنسانها للعبه، وتجرّني إلى نار سجّرها جبّارها لغضبه. أتئن من الأذى ولا أئن من لظى- إلى أن قال (عليه السلام)- والله لو أعطيت الأقاليم السبعة بما تحت أفلاكها على أن أعصي الله في نملة أسلبها جلب شعيرة ما فعلت، وإن دنياكم عندي لأهون من ورقة في فم جرادة تقضمها، ما لعليٍّ ولنعيم يفنى ولذة لا تبقى”، ولم يكتفِ بأن يكون عادلاً فيما صدر منه وحسب، بل عمد إلى إصلاح ما رآه فاسداً من فعل من سبقه، فاستنقذ المال العامّ، وحارب الفساد ما وجد لذلك سبيلاً، فعن ابن عباس: إن عليا خطب ثاني يوم من بيعته في المدينة فقال: “ألا أن كل قطيعة أقطعها عثمان وكل ما أعطاه من مال الله فهو مردود في بيت المال، فإنّ الحقّ القديم لا يبطله شيء، ولو وجدته قد تُزُوِّج به النساء، وملك به الإماء لرددته؛ فإنّ في العدل سعة، ومن ضاق عليه العدل فالجور عليه أضيق”.
العنوان الثاني: تأبين أمير المؤمنين (عليه السلام):
روى رئيس المحدّثين الشيخ الصدوق (رضي الله عنه) في كتابه (الأمالي) بسنده عن حبيب بن عمرو قال: لما توفي أمير المؤمنين (عليه السلام) وكان من الغد، قام الحسن (عليه السلام) خطيبا على المنبر فحمد الله و أثنى عليه ثم قال: “أيها الناس في هذه الليلة نزل القرآن وفي هذه الليلة رفع عيسى بن مريم، و في هذه الليلة قتل يوشع بن نون، وفي هذه الليلة مات أبي أمير المؤمنين، والله لا يسبق أبي أحد كان قبله من الأوصياء إلى الجنة، ولا من يكون بعده، وإن كان رسول الله (صلى الله عليه وآله) ليبعثه في السرية فيقاتل، جبرئيل عن يمينه، وميكائيل عن يساره، وما ترك صفراء ولا بيضاء إلا سبعمائة درهم فضلت من عطائه، كان يجمعها ليشتري بها خادما لأهله” هذا سبقه (عليه السلام) للأوصياء إلى الجنّة.
وثمّة سبق له (عليه السلام) للأولين والآخرين، فقد روى شيخ الطائفة الشيخ الطوسيّ (رضي الله عنه) في كتابه (الأمالي) بسنده عن أبي الطفيل قال: خطب الحسن بن علي (عليهما السلام) بعد وفاة عليّ (عليه السلام) وذكر أمير المؤمنين فقال:” خاتم الوصيين ووصيّ خاتم الأنبياء، وأمير الصديقين والشهداء والصالحين، ثم قال:” أيها الناس لقد فارقكم رجل ما سبقه الأولون، ولا تدركه الآخرون..- إلى آخر ما روى-.
ويمكننا أن نتعرّف طبيعة هذا السبق مما نقلهالشيخ المفيد (رضي الله عنه) في كتابه (الإرشاد) قائلاً: وروى أبو مخنف لوط بن يحيى قال: حدثني أشعث بن سوار عن أبي إسحاق السبيعي وغيره، قال: خطب الحسن بن عليّ (عليهما السلام) في صبيحة الليلة التي قبض فيها أمير المؤمنين (عليه السلام)، “فحمد الله وأثنى عليه، وصلّى على رسول الله (صلّى الله عليه وآله) ثمّ قال: لقد قبض في هذه الليلة رجل لم يسبقه الأولون بعمل، ولم يدركه الآخرون بعمل..- إلى آخر ما نقل -“. وفي الكافي الشريف وأمالي الطوسي بسنديهما عن محمّد بن مسلم- فيما يخصّ سبقه (عليه السلام للأولين والآخرين بعمله)- عن أبي جعفر الباقر (عليه السلام)- في حديث- “وما أطاق أحد عمله)، وإن كان علي بن الحسين (عليهما السلام) لينظر في الكتاب من كتب علي (عليه السلام)،فيضرب به الأرض، ويقول: من يطيق هذا”.
وروى ثقة الإسلام الكلينيّ في الكافي ورئيس المحدّثين الشيخ الصدوق في كتابه: (إكمال الدين) بسنديهما- واللفظ للكلينيّ- عن أسيد بن صفوان صاحب رسول الله صلى الله عليه وآله قال: لما كان اليوم الذي قبض فيه أمير المؤمنين عليه السلام ارتج الموضع بالبكاء ودهش الناس كيوم قبض النبي صلى الله عليه وآله وجاء رجل باكيا وهو مسرع مسترجع وهو يقول: اليوم انقطعت خلافة النبوة حتى وقف على باب البيت الذي فيه أمير المؤمنين عليه السلام فقال: رحمك الله يا أبا الحسن كنت أول القوم إسلاما وأخلصهم إيمانا، وأشدهم يقينا، وأخوفهم لله، وأعظمهم عناء وأحوطهم على رسول الله صلى الله عليه وآله وآمنهم على أصحابه، وأفضلهم مناقب، وأكرمهم سوابق، وأرفعهم درجة، وأقربهم من رسول الله صلى الله عليه وآله وأشبههم به هديا وخلقا وسمتا وفعلا، وأشرفهم منزلة، وأكرمهم عليه، فجزاك الله عن الاسلام وعن رسوله وعن المسلمين خيرا.
قويت حين ضعف أصحابه، وبرزت حين استكانوا، ونهضت حين وهنوا، ولزمت منهاج رسول الله صلى الله عليه وآله إذ هم أصحابه، [و] كنت خليفته حقا، لم تنازع ولم تضرع برغم المنافقين، وغيظ الكافرين، وكره الحاسدين، وصغر (ضغن) الفاسقين. فقمت بالأمر حين فشلوا، ونطقت حين تتعتعوا، ومضيت بنور الله إذ وقفوا، فاتبعوك فهدوا، وكنت أخفضهم صوتا، وأعلاهم قنوتا (قوتا)(قدما) وأقلهم كلاما، وأصوبهم نطقا (منطقا)، وأكبرهم رأيا، وأشجعهم قلبا، وأشدهم يقينا، وأحسنهم عملا، وأعرفهم بالأمور. كنت والله يعسوبا للدين، أولا وآخرا: الأولحين تفرق الناس، والآخر حين فشلوا، كنت للمؤمنين أبا رحيما، إذ صاروا عليك عيالا، فحملت أثقال ما عنه ضعفوا، وحفظت ما أضاعوا، ورعيت ما أهملوا، وشمرت إذ [ا] اجتمعوا، وعلوت إذ هلعوا، وصبرت إذ أسرعوا، وأدركت أوتار ما طلبوا، ونالوا بك ما لم يحتسبوا. كنت على الكافرين عذابا صبا (ونهبا)، وللمؤمنين عمدا وحصنا (غيثاً وخصبا)، فطرت والله بنعمائها وفزت بحبائها، وأحرزت سوابغها، وذهبت بفضائلها، لم تفلل حجتك، ولم يزغ قلبك، ولم تضعف بصيرتك، ولم تجبن نفسك ولم تخرّ (تخن). كنت كالجبل لا تحركه العواصف، وكنت كما قال: امن الناس في صحبتك وذات يدك، وكنت كما قال (النبيّ): ضعيفا في بدنك، قويا في أمر الله، متواضعا في نفسك، عظيما عند الله، كبيرا في الأرض، جليلا عند المؤمنين، لم يكن لاحد فيك مهمز، ولا لقائل فيك مغمز [ولا لأحد فيك مطمع] ولا لأحد عندك هوادة، الضعيف الذليل عندك قوي عزيز حتى تأخذ له بحقه، والقوي العزيز عندك ضعيف ذليل حتى تأخذ منه الحق، والقريب والبعيد عندك في ذلك سواء، شأنك الحق والصدق والرفق، وقولك حكم وحتم وأمرك حلم وحزم، ورأيك علم وعزم فيما فعلت، وقد نهج السبيل، وسهل العسير،وأطفئت النيران، واعتدل بك الدين، وقوي بك الاسلام، فظهر أمر الله ولو كره الكافرون، وثبت بك الاسلام والمؤمنون، وسبقت سبقا بعيدا، وأتعبت من بعدك تعبا شديدا، فجللت عن البكاء، وعظمت رزيتك في السماء، وهدت مصيبتك الأنام، فإنا لله وإنا إليه راجعون، رضينا عن الله قضاه، وسلمنا لله أمره، فوالله لم يصاب المسلمون بمثلك أبدا. كنت للمؤمنين كهفا وحصنا، وقُنَّة راسيا، وعلى الكافرين غلظة وغيظا، فألحقك الله بنبيّه، ولا أحرمنا (حرمنا) أجرك، ولا أضلنا بعدك، وسكت القوم حتى انقضى كلامه وبكى وبكى أصحاب رسول الله صلى الله عليه وآلهثم طلبوه فلم يصادفوه.
قال العلامة المجلسي (رحمه الله): والظاهر أن القائل كان هو الخضر (عليه السلام).
العنوان الثالث: سبب نزول القرآن:
أنزل الله جلّ وعزّ كتابه في ليلة القدر من شهر رمضان، فقد قال: “شَهۡرُ رَمَضَانَ ٱلَّذِيٓ أُنزِلَ فِيهِ ٱلۡقُرۡآنُ”- البقرة: ١٨٥-، وقال: “إِنَّآ أَنزَلۡنَٰهُ فِي لَيۡلَةِٱلۡقَدۡرِ”- القدر: ١-، ومما زاد في عظمة وقدر شهر رمضان وليلة القدر إنزال القرآن فيهما، ففي المأثور من الدعاء: “فَعَظَّمتَ حُرمَةَ شَهرِ رَمَضانَ بِما أنزَلتَ فيهِ مِنَ القُرآنِ وَخَصَصتَهُ بِلَيلَةِ القَدرِ”. ثمّ إنّ الذي يهمّنا في هذا المقام تسليط الضوء عليه والتعرّف عليه- وراء سبب نزول هذه الآية أو تلك- هو سبب نزول القرآن كلّ القرآن، وإذا كانت معرفة سبب نزول آية تلقي ضوءاً على تفسيرها وتسهم في فهمنا لهافإنّ معرفة سبب نزول القرآن تسهم – هي الأخرى- في فهم القرآن وترسم خطّ معرفيّاً عامّاً عنه، ويقترب تفسير القرآن إلى صوابيّته بتحكيم هذا العنصر العامّ، كما أنّ التفسير يبتعد عن صوابيّته ويجانبها بإغفال هذا العنصر. كما أن معرفة الهدف من نزول القرآن تحتّم علينا السير في طريق تحقيق هذا الهدف.
وقد عكس لنا نفس القرآن الهدف من نزوله، فذكر مرّةً أن الهدف منه هو الإنذار، فقال سبحانه: “..وَأُوحِيَ إِلَيَّ هَٰذَا ٱلۡقُرۡءَانُ لِأُنذِرَكُم بِهِۦ وَمَنۢ بَلَغَۚ..”- الأنعام: ١٩-، وذكر مرّة ثانية أنّ الهدف من نزوله هو إقامة الحجّة والبرهان، فقال سبحانه: “يَٰٓأَيُّهَا ٱلنَّاسُ قَدۡ جَآءَكُم بُرۡهَٰنٞ مِّن رَّبِّكُمۡ وَأَنزَلۡنَآ إِلَيۡكُمۡ نُورٗا مُّبِينٗا”- النساء: ١٧٤-، وذكر ثالثةً أنّ الهدف من نزوله هو رفع الاختلاف،فقال سبحانه: “وَمَآ أَنزَلۡنَا عَلَيۡكَ ٱلۡكِتَٰبَ إِلَّا لِتُبَيِّنَ لَهُمُ ٱلَّذِي ٱخۡتَلَفُواْ فِيهِ وَهُدٗى وَرَحۡمَةٗ لِّقَوۡمٖ يُؤۡمِنُونَ”- النحل: ٦٤-، وذكر رابعةً أنّ الهدف من نزوله هو الهداية، فقال سبحانه: “شَهۡرُ رَمَضَانَ ٱلَّذِيٓ أُنزِلَ فِيهِ ٱلۡقُرۡءَانُ هُدٗى لِّلنَّاسِ وَبَيِّنَٰتٖ مِّنَ ٱلۡهُدَىٰ وَٱلۡفُرۡقَانِۚ..”- البقرة: ١٨٥-، وقال: “الٓمٓ :: ذَٰلِكَ ٱلۡكِتَٰبُ لَا رَيۡبَۛ فِيهِۛ هُدٗىلِّلۡمُتَّقِينَ”- البقرة: ١، ٢-، ومن خلال هذا الهدف يمكننا أن نحدس دائرة ومساحة تبيانه، وأنّ المراد بكلّ شيء في قوله سبحانه: “..وَنَزَّلۡنَا عَلَيۡكَ ٱلۡكِتَٰبَ تِبۡيَٰنٗا لِّكُلِّ شَيۡءٖ ..” – النحل: ٨٩- كلّ شيء يرجع إلى الهداية، فهو دستور شريعة، ويرشد إلى ذلك أنّ الآية عطفت على التبيان أمر الهداية فقالت: “وَنَزَّلۡنَا عَلَيۡكَ ٱلۡكِتَٰبَ تِبۡيَٰنٗالِّكُلِّ شَيۡءٖ وَهُدٗى وَرَحۡمَةٗ وَبُشۡرَىٰ لِلۡمُسۡلِمِينَ”.
وفي ضوء ذلك يجدر بالمسلم أن يستهدي كتاب الله وأن يترسّم ما خطّه من طريق، وأن ينتهي إلى حكمه وما فصل به، ففي المأثور المعتبر عن رسول الله (صلّى الله عليه وآله) أنّه قال: “إذا التبست عليكم الفتن كقطع الليل المظلم فعليكم بالقرآن؛ فإنه شافع مشفع وماحل مصدق، ومن جعله أمامه قاده إلى الجنّة، ومن جعله خلفه ساقه إلى النار، وهو الدليل يدلّ على خير سبيل، وهو كتاب فيه تفصيل وبيان وتحصيل، وهو الفصل ليس بالهزل”.
وبهذا يتبيّن أنّ الهدف العامّ من نزول القرآن- والذي تنتهي إليه الأهداف- هو إعادة ترتيب الواقع الإجتماعي في ضوء القرآن، قال الله سبحانه: “قَدۡجَآءَكُم مِّنَ ٱللَّهِ نُورٞ وَكِتَٰبٞ مُّبِينٞ :: يَهۡدِي بِهِ ٱللَّهُ مَنِ ٱتَّبَعَ رِضۡوَٰنَهُۥ سُبُلَ ٱلسَّلَٰمِ وَيُخۡرِجُهُم مِّنَ ٱلظُّلُمَٰتِ إِلَى ٱلنُّورِ بِإِذۡنِهِۦ وَيَهۡدِيهِمۡ إِلَىٰ صِرَٰطٖ مُّسۡتَقِيمٖ”- المائدة: ١٥،١٦-، وقال سبحانه: “الٓرۚ كِتَٰبٌ أَنزَلۡنَٰهُ إِلَيۡكَ لِتُخۡرِجَٱلنَّاسَ مِنَ ٱلظُّلُمَٰتِ إِلَى ٱلنُّورِ بِإِذۡنِ رَبِّهِمۡ إِلَىٰ صِرَٰطِ ٱلۡعَزِيزِ ٱلۡحَمِيدِ”- إبراهيم: ١-، وقال سبحانه: “هُوَ ٱلَّذِي يُنَزِّلُ عَلَىٰ عَبۡدِهِۦٓ ءَايَٰتِۭ بَيِّنَٰتٖ لِّيُخۡرِجَكُم مِّنَ ٱلظُّلُمَٰتِ إِلَى ٱلنُّورِۚ وَإِنَّ ٱللَّهَ بِكُمۡ لَرَءُوفٞ رَّحِيمٞ”-الحديد: ٩-. ومن هنا فالمسؤولية قائمة في ضرورة السير قدماً في تحقيق هذا الهدف القرآني والإلهي.
اللهم صل على محمد وآله، واغفر لنا ولجميع المؤمنين والمؤمنات، وتب علينا إنّك أنت التوّاب الرحيم، اللهم إنّا نحبّ محمّداً وآل محمد فاحشرنا معهم، اللهم إنّا نحبّ عمل محمّد وآل محمّد فأشركنا في عملهم، اللهم أرنا في آل محمّد (عليهم السلام) ما يأمَلون، وفي عدوّهم ما يحذرون، اللهم انصر من نصر الدين، واخذل من خذل الدين، وأحلل غضبك بالقوم الظالمين.
إنّ أحسن الحديث كتاب الله العزيز: أعوذ بالله السميع العليم من الشيطان الرجيم “بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ إِنَّآ أَنزَلۡنَٰهُ فِي لَيۡلَةِ ٱلۡقَدۡرِ :: وَمَآ أَدۡرَىٰكَ مَا لَيۡلَةُٱلۡقَدۡرِ :: لَيۡلَةُ ٱلۡقَدۡرِ خَيۡرٞ مِّنۡ أَلۡفِ شَهۡرٖ :: تَنَزَّلُ ٱلۡمَلَٰٓئِكَةُوَٱلرُّوحُ فِيهَا بِإِذۡنِ رَبِّهِم مِّن كُلِّ أَمۡرٖ :: سَلَٰمٌ هِيَ حَتَّىٰ مَطۡلَعِ ٱلۡفَجۡرِ”- سورة: ١-٥-.
……………………………………………………………………
الخطبة الثانية
الحمد لله بديع السموات والأرض، ورب الأرباب، وإله كل مألوه، وخالق كل مخلوق، ووارث كل شيء، ليس كمثله شيء، ولا يعزب عنه علم شيء، وهو بكل شيء محيط، وهو على كل شيء رقيب.
وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك،
وأشهد أنّ محمّداً عبده ورسوله
عباد الله وأهل طاعته، أوصيكم ونفسي بتقوى الله،
اللهم صلّ على محمد خاتم النبيّين والمرسلينالصادق الأمين، وعلى عَليٍّ أميرِ المُؤمِنينَ وَوَصيِّ رَسولِ رَبِّ العالَمينَ وعَلى الصِّدّيقَةِ الطَّاهِرَةِ فِاطِمَةَ سَيِّدَةِ نِساءِ العالَمينَ، وَصَلِّ عَلى سِبطَي الرَّحمَةِ وَإمامَي الهُدى الحَسَنِ وَالحُسَينِ، وَصَلِّ عَلى أئِمَّةِ المُسلِمينَ عَليِّ بنِ الحُسَينِ وَمُحَمَّدِ بنِ عَليٍّ وَجَعفَرِ بنِ مُحَمَّدٍ وَموسى بنِ جَعفَرٍ وَعَليِّ بنِ موسى وَمُحَمَّدِ بنِ عَليٍّ وَعَليِّ بنِ مُحَمَّدٍ وَالحَسَنِ بنِ عَليٍّ وَالخَلَفِ الهادي المَهدي، حُجَجِكَ عَلى عِبادِكَ وَاُمَنائِكَ في بِلادِكِ صَلاةً كَثيرَةً دائِمَة. اللهُمَّ وَصَلِّ عَلى وَليِّ أمرِكِ القائِمِ المُؤَمَّلِ وَالعَدلِ المُنتَظَرِوَحُفَّهُ بِمَلائِكَتِكَ المُقَرَّبينَ وَأيِّدهُ بِروحِ القُدُسِ يا رَبَّ العالَمينَ,اللهم واحفظ وسدّد وأيّد نوّابه بالحقّ، والفقهاء العدول، والعلماء العاملين.
أمّا بعد أيّها الملأ الكريم من المؤمنين والمؤمناتفإلى مواضيع ثلاثة:
الموضوع الأول: موقف كبار العلماء وعلماء البلد:
أمَّا الموضوع الأول فحول موقف كبار العلماء وعلماء البلد من الهجمة المُفتَعلة والمتجاوزةِ لحدود اللياقةِ والأدب من قبل جماعةِ بدعة السفارة والتجديد تِّجاه سماحة العلامة الجليل السيد عبد الله الغريفي (حفظه الله) فالموقفُ الذي أظهره سماحةُ السيد في خطابه من هذه الجماعة الضالَّة هو ذاتُه الموقفُ الذي يتبنَّاه كافةُ علماء البلد وهو ذاتُه الموقفُ الذي أفتى به الفقهاءُ، وهو الموقف الذي تبانى وتسالمَ عليه فقهاءُ الطائفة على امتداد تاريخ الغيبة، وخلاصةُ موقف علمائنا وفقهائنا من هذه الجماعة هو أنَّهم جماعةٌ ضالةٌ مفتونة مبتدعة قد أدخلت الوهنَ على الدين وتنكَّرت لثوابته، ولم تُجدِ معهم النصيحة رغم استفراغ العلماءِ الوسعَ في أدائِها لهم، ولذلك يتعيَّنُ على المؤمنينَ متاركتهم وقطيعتَهم، ويدعو العلماء المآتم والحسينيات الإعلان عبر حساباتهم التضامنَ مع سماحة العلامة السيد عبد الله الغريفي والإعرابَ عن تضامنِهم لموقف العلماء تجاه هذه الجماعة الضالّة، ولا حول ولا قوة إلا بالله العليِّ العظيم.
الموضوع الثاني: رفع العَوَز مسؤولية من؟
لا أحد يستطيع أن يتنكّر لحاجة وعوز جملة واسعة من الأسر والعوائل في مختلف مناطق وبلدات بلدنا العزيز. والمسؤولية عن رفع حاجتهم وعوزهم وإن كانت مشتركة بين الجميع إلا أنّها بدرجة أكبر مسؤولية في عهدة الحكومة.
وعليه فالمنتظر منها إذا لم تباشر في معالجة ذلك بصورة مباشرة أن تسهم في ذلك ولو بنحو غير مباشر وعبر وزارتها المختصّة بهذا الشأن، ولكنّ الّذي ينقل وبنحو متكثّر ويذاع وينشر هو مماطلة أو تعطيل أو رفض وزارة التنمية لتراخيص جمع المال ثم معاقبة الجمعيات الخيريّة لو اتفقت المخالفة. فهل المطلوب أن تغلق الجمعيات أبوابها وتترك المحتاجين يتسكّعون ويتسوّلون في الشوارع؟! على أنّ آلية الجمع والتوزيع بمرأى ومسمع الوزارة فلماذا كلّ ذلك التعطيل؟
الموضوع الثالث: القدس لنا:
ففي مثل هذا اليوم من كلّ عامّ تعلن الأمّة الإسلاميّة موقفها العادل والثابت والموحّد من الحقوق الشرعيّة للشعب المسلم في فلسطين، والأمّة بهذا الإعلان الجادّ والمبدأيتكون قد أوصلت إلى القوى العظمى في العالم وبنحو يصمّ الأسماع ويهزّ الأرجاء رسالة مؤداها الواضح بأنّ الإسلام بعد اليوم لن يكون رهينة بأيديكم، ولن يحكم عليه باسمه، ولن يُختطف ويجمّد عن قضاياه الكبرى.
ثمّ إنّ قضيّة المسجد الأقصى والقدس وفلسطين- والتي وإن طال زمانها- لن تخرج من تحت استحقاقنا بالتقادم أو التخاذل أو العمالة من قبل بعض الأنظمة لقوى الشرّ.
ثمّ ها هو العالم يشهد انتهاك شذّاذ الآفاق الصهاينة لحرمة المسجد الأقصى واسترخاصهمللدم الحرام وتجاوزهم على المصلّين والمعتكفين في موضع إقامة الصلاة والاعتكاف، فهل يسع المسلم وهويشهد كلّ ذلك أن لا ينكر ذلك، بل يبارك ذلك الإجرام بسكوته.؟
ثم لا يخفى على السادة والسيّدات نوّاب الشعب في هذا البلد المسلم أنّ التطبيع مع الكيان الصهيوني الغاصب والمحتلّ للأرض ليس إرادة لهذا الشعب الكريم ولا هو إرادة لكم- فيما أعلم- فأينكم يا نوّاب الشعب وأين مجلسكم إزاء هذا الواقع الّذي أخذ يستشري ويتمدّد ويستطير شرره وسيكتوي منه الجميع، وأين منطق النيابة عن الشعب وعن موقفه؟ ومتى يأتي وقتها؟
اللهم صلّ على محمّد وآل محمّد، اللهم أصلح كلّ فاسد من أمور المسلمين، واغفر لنا ولجميع المؤمنين والمؤمنات، وتجاوز عنّا، وهب لنا رحمة واسعة جامعة نبلغ بها خير الدنيا والآخرة، إله الحقّ وخالق الخلق.
“إِنَّ ٱللَّهَ يَأۡمُرُ بِٱلۡعَدۡلِ وَٱلۡإِحۡسَٰنِ وَإِيتَآيِٕ ذِي ٱلۡقُرۡبَىٰوَيَنۡهَىٰ عَنِ ٱلۡفَحۡشَآءِ وَٱلۡمُنكَرِ وَٱلۡبَغۡيِۚ يَعِظُكُمۡ لَعَلَّكُمۡ تَذَكَّرُونَ”.

