خطبة الجمعة للشيخ علي الصددي – ٩/ ٩/ ١٤٤٤هـ الموافق 31 مارس 2023م جامع الإمام الصادق(ع) – الدراز
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
الخطبة الأولى:
أعوذ بالله السميع العليم من الشيطان الغوي الرجيم ..
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله على حلمه بعد علمه، والحمد لله على عفوه بعد قدرته، والحمد لله على طول أناته في غضبه، وهو قادر على ما يريد، الحمد لله خالق الخلق، باسط الرزق، فالق الإصباح، ذي الجلال والإكرام، والفضل والإنعام، الذي بعد فلا يُرى، وقرب فشهد النجوى، تبارك وتعالى، الحمد لله الذي يجيبني حين أناديه، ويستر على كل عورة وانا أعصيه، ويعظّم النعمة على فلا أجازيه، فكم من موهبة هنيئة قد أعطاني، وعظيمة مخوفة قد كفاني، وبهجة مونقة قد أراني، فأثني عليه حامدا، وأذكره مسبِّحا، الحمد لله الذي لا يهتك حجابه، ولا يغلق بابه، ولا يردّ سائله، ولا يخيّب آمله.
وأشهد ألا إله إلا الله وحده لا شريك له، عَالِمُ ٱلۡغَيۡبِ وَٱلشَّهَادَةِ ٱلۡعَزِيزُ ٱلرَّحِيمُ، ٱلَّذِيٓ أَحۡسَنَ كُلَّ شَيۡءٍ خَلَقَهُۥۖ وَبَدَأَ خَلۡقَ ٱلۡإِنسَٰنِ مِن طِينٖ، ثُمَّ جَعَلَ نَسۡلَهُۥ مِن سُلَالَةٖ مِّن مَّآءٖ مَّهِينٖ ، ثُمَّ سَوَّاهُ وَنَفَخَ فِيهِ مِن رُّوحِهِۦۖ وَجَعَلَ لَكُمُ ٱلسَّمۡعَ وَٱلۡأَبۡصَارَ وَٱلۡأَفۡئدَةَۚ قَلِيلٗا مَّا تَشۡكُرُونَ.
وأشهد أنّ محمّداً عبده ورسوله وَشاهِده وَنَبِيّه وَنَذِيره وَأمِينه وَمَكِينه وَنَجِيّه وَحَبِيبه وَخَلِيله وَصَفِيّه وَصَفوَته وَخاصَّته وخالِصَته وَرَحمَته (صلّى الله عليه وآله) نَبِيِّ الرَّحمَةِ وَخازِنِ المَغفِرَةِ وَقائِدِ الخَيرِ وَالبَرَكَةِ وَمُنقِذِ العِبادِ مِنَ الهَلَكَةِ بِإذنِ ربّه وَداعِيه إلى دِينِه القَيِّمِ بِأمرِه.
عباد الله وإماءه وأهل طاعته، أوصيكم ونفسي بتقوى الله، ومجانبة غضبه، وغضبه عقابه، وعقابه شديد، قال الله سبحانه: “وَٱتَّقُواْ ٱللَّهَ وَٱعۡلَمُوٓاْ أَنَّ ٱللَّهَ شَدِيدُ ٱلۡعِقَابِ”- البقرة: ١٩٦-.
أمّا بعد أيّها الملأ من المؤمنين والمؤمنات فالحديث في هذا المقام في عنوانين:
العنوان الأوّل: من بركات شهر رمضان:
وأورد هنا ثلاث روايات رواها رئيس المحدّثين الشيخ الصدوق (رضي الله عنه) في كتابه (فضائل الأشهر الثلاثة-: ١٠٧- ١١٠ ح١٠١ -:
أولاها: ما رواه بسند معتبر عن مسعدة الربعيّ عن الصادق جعفر بن محمّد عن أبيه عن آبائه (عليهم السلام) قال: خطب أمير المؤمنين (عليه السلام) في أوّل يوم من شهر رمضان في مسجد الكوفة، فحمد الله بأفضل الحمد وأشرفها وأبلغها، واثنى عليه بأحسن الثناء، وصلّى على محمّد نبيّه (صلّى الله عليه وآله)، ثمّ قال أيّها الناس: إنّ هذا الشهر شهر فضّله الله على سائر الشهور كفضلنا أهل البيت على سائر الناس، وهو شهر يفتح فيه أبواب السماء وأبواب الرحمة، ويغلق فيه أبواب النيران، وهو شهر يسمع فيه النداء، ويستجاب فيه الدعاء، ويرحم فيه البكاء،وهو شهر فيه ليلة نزلت الملائكة فيها من السماء، فتسلّم على الصائمين والصائمات بإذن ربّهم إلى مطلع الفجر، وهي ليلة القدر، فيها ولايتي قبل أن خلق آدم (عليه السلام) بألفي عام، صيام يومها أفضل من صيام ألف شهر، والعمل فيها أفضل من العمل في الف شهر، أيّها الناس إنّ شموس شهر رمضان لتطلع على الصائمين والصائمات، وإنّ أقماره ليطلع عليهم بالرحمة، وما من يوم وليلة من الشهر إلا والبر من الله تعالى يتناثر من السماء على هذه الأمّة، فمن ظفر من نثار الله بدرة كرم على الله يوم يلقاه، وما كرم عبد على الله إلا جعل الجنّة مثواه، عباد الله إنّ شهركم ليس كالشهور، أيامه أفضل الأيام، ولياليه أفضل الليالي، وساعاته أفضل الساعات، هو شهر الشياطين فيه مغلولة محبوسة، هو شهر يزيد الله فيه الأرزاق والآجال، ويكتب فيه وفد بيته، وهو شهر يقبل [على] أهل الأيمان بالمغفرة والرضوان والروح والريحان ومرضات الملك الديّان، أيّها الصائم، تدبّر أمرك؛ فإنك في شهرك هذا ضيف ربّك، انظر كيف تكون في ليلك ونهارك؟! وكيف تحفظ جوارحك عن معاصي ربّك؟! انظر أن لا تكون بالليل نائما وبالنهار غافلا، فينقضي شهرك وقد بقي عليك وزرك، فتكون عند استيفاء الصائمين أجورهم من الخاسرين، وعند فوزهم بكرامة مليكهم من المحرومين، وعند سعادتهم بمجاورة ربّهم من المطرودين، أيّها الصائم، إن طردت عن باب مليكك فأيّ باب تقصد؟! وإن حرمك ربّك فمن ذا الذي يرزقك؟! وإن أهانك فمن ذا الذي يكرمك؟! وإن أذلّك فمن ذا الذي يعزّك؟! وإن خذلك فمن ذا الذيينصرك؟! وإن لم يقبلك في زمرة عبيده فإلى من ترجع بعبوديتك؟! وإن لم يقلك عثرتك فمن ترجو لغفران ذنوبك؟! وان طالبك بحقّه فماذا يكون حجّتك؟! أيّها الصائم، تقرّب إلى الله بتلاوة كتابه في ليلك ونهارك؛ فإنّ كتاب الله شافع مشفّع يوم القيامة لأهل تلاوته، فيعلون درجات الجنة بقراءة آياته، [أ]بشر أيّها الصائم، فإنّك في شهرٍ صيامك فيه مفروض، ونفَسك فيه تسبيح، ونومك فيه عبادة، وطاعتك فيه مقبولة، وذنوبك فيه مغفورة، وأصواتك فيه مسموعة، ومناجاتك فيه مرحومة، ولقد سمعت حبيبي رسول الله (صلّى الله عليه وآله) يقول: إنّ لله(تبارك وتعالى) عند فطر كلّ ليلة من شهر رمضان عتقاء من النار، لا يعلم عددهم إلا الله، هو في علم الغيب عنده، فإذا كان آخر ليلة منه أعتق فيها مثل ما أعتق في جميعه، فقام إليه رجل من همْدان فقال: يا أمير المؤمنين زدنا مما حدثّك به حبيبك في شهر رمضان فقال: نعم سمعت أخي وابن عمّي رسول الله (صلى الله عليه وآله) يقول: من صام شهر رمضان فحفظ فيه نفسه من المحارم دخل الجنّة، قال الهمْداني: يا أمير المؤمنين زدنا مما حدّثك به أخوك وابن عمّك في شهر رمضان، قال: نعم سمعت خليلي رسول الله صلّى الله عليه [وآله] وسلّم يقول: من صام رمضان إيمانا واحتسابا دخل الجنّة، قال الهمداني: يا أمير المؤمنين زدنا مما حدثك به خليلك في هذا الشهر، فقال: نعم سمعت سيّد الأولين والآخرين رسول الله (صلّى الله عليه وآله وسلّم) يقول: من صام رمضان فلم يفطر في شيء من لياليه على حرام دخل الجنّة، فقال الهمداني: يا أمير المؤمنين زدنا مما حدثك به سيّد الأولين والآخرين في هذا الشهر، فقال: نعم سمعت أفضل الأنبياء والمرسلين والملائكة المقرّبين يقول: إنّ سيد الوصيين يقتل في سيّد الشهور، فقلت: يا رسول الله وما سيّد الشهور ومن سيّد الوصيين؟ قال: أمّا سيّد الشهور فشهر رمضان،وأما سيّد الوصيين فأنت يا عليّ، فقلت يا رسول الله فان ذلك لكائن؟ قال: إي وربّي إنّه ينبعث أشقى أمّتي شقيق عاقر ناقة ثمود، ثم يضربك ضربة على فرقك تخضب منها لحيتك، فأخذ الناس بالبكاء والنحيب، فقطع (عليه السلام) خطبته ونزل.
الرواية الثانية: ما رواه (رضي الله عنه)-: ١١٦ ح١١١- بسنده عن سليمان المروزي عن الرضا عليّ بن موسى (عليه السلام) أنّه قال: “من صام شهر رمضان إيمانا واحتسابا غفرت له ذنوبه ما تقدّم من ذنبه وما تأخّر، وإنّ الصائم لا يجري عليه القلم حتى يفطر ما لم يأت بشيء فينقضَ صومه، وإنّ الحاجّ لا يجري عليه القلم حتى يرجع ما لم يأت بشيء يبطل حجّه، وإنّ النائم لا يجري عليه القلم حتى ينتبه ما لم يكن يأت على حرام، وإنّ الصبي لا يجري عليه القلم حتى يبلغ، وإنّ المجاهد في سبيل الله لا يجري عليه القلم حتى يعود إلى منزله ما لم يأت بشيء يبطل جهاده وان المجنون لا يجري عليه القلم حتى يفيق، وإنّ المريض لا يجري عليه القلم حتى يصحّ، ثم قال (عليه السلام): إنّ سلعة الله رخيصة فاشتروها قبل أن تغلو”.
الرواية الثالثة: ما رواه (رضي الله عنه)-: ١٢٤، ١٢٥ ح١٣٢- عن الضحّاك عن أمير المؤمنين علي بن أبي طالب (عليه السلام) قال: قال رسول الله (صلّى الله عليه وآله): شعبان شهري، وشهر رمضان شهر الله، فمن صام شهري كنت له شفيعا يوم القيامة، ومن صام شهر الله (عزّ وجلّ) آنس الله وحشته في قبره، ووصل وحدته، وخرج من قبره مبيضّاً وجهه، وأخذ الكتاب بيمينه والخلد بيساره، حتى يقف بين يدي ربّه (عزّ وجلّ) فيقول: عبدي، فيقول: لبيك سيدي، فيقول (عزّ وجلّ): صمت لي؟ قال: فيقول: نعم يا سيدي، فيقول (تبارك وتعالى): خذوا بيد عبدي حتى تأتوا به مني (نبيّي) فأوتي به، فأقولله: صمت شهري؟ فيقول نعم، فأقول: أنا اشفع لك اليوم، قال: فيقول الله (تبارك وتعالى): أمّا حقوقي فقد تركتها لعبدي، وأما حقوق خلقي فمن عفا عنه فعليَّ عوضه حتى يرضى، قال النبيّ (صلّى الله عليه وآله) فآخذ بيده حتى انتهى به إلى الصراط،فأجده دحضا (رحضاً) مزلقا لا يثبت عليه أقدام الخاطئين، فآخذ بيده فيقول لي صاحب الصراط: من هذا يا رسول الله؟ فأقول: هذا فلان من أمّتي، كان قد صام بالدنيا شهري ابتغاء شفاعتي، وصام شهر ربّه ابتغاء وعده فيجوز الصراط بعفو الله (عز وجل) حتى ينتهي إلى باب الجنتين فاستفتح له، فيقول رضوان: لك أمرنا أن نفتح اليوم ولأمّتك، قال: ثم قال أمير المؤمنين (عليه السلام): صوموا شهر رسول الله (صلّى الله عليه وآله) يكن لكم شفيعا، وصوموا شهر الله تشربوا من الرحيق المختوم.
العنوان الثاني: أبو طالب مؤمن قريش:
وقد ملأ الأمويون الدنيا ضجيجاً بأنّ أبا طالب (رضي الله عنه) مات كافرا، كبرت كلمة تخرج من أفواههم، وقد وضعوا لذلك- نكاية بولده أمير المؤمنين (صلوات الله عليه)- حديث الضحضاح من النار الّذي تنتهي روايته إلى رجل واحد، وهو المغيرة بن شعبة، وبغضه لبني هاشم، وعلى الخصوص لعلي (عليه السلام) مشهور معلوم، وقصته وفسقه غير خاف.
ويكفينا في إثبات إيمانه أن نورد شذرات مما نقله عن كتبنا ابن أبي الحديد المعتزليّ في شرحه لنهج البلاغة، فمن الشواهد الّتي نقلها ما روي أن علي بن الحسين (عليهما السلام) سئل عن هذا- أي ايمان أبى طالب- فقال: “واعجبا إن الله تعالى نهى رسوله أن يقر مسلمة على نكاح كافر، وقد كانت فاطمة بنت أسد من السابقات إلى الاسلام، ولم تزل تحت أبي طالب حتى مات”.
ومن الشواهد ما روي عن محمد بن علي الباقر (عليه السلام) أنه سئل عما يقوله الناس أن أبا طالب في ضحضاح من نار، فقال: “لو وضع إيمان أبي طالب في كفّة ميزان وإيمان هذا الخلق في الكفّة الأخرى لرجح إيمانه”. ثم قال: “ألم تعلموا أن أمير المؤمنين عليّاً (عليه السلام) كان يأمر أن يُحجّ عن عبد الله وآمنة وأبي طالب في حياته”.
ومن الشواهد أشعاره، ومنها:
ألم تعلموا أنا وجدنا محمدا *** رسولا كموسى خط في أول الكتب.
وأن عليه في العباد محبة *** ولا حيف فيمن خصه الله بالحبّ.
ومنها:
لقد أكرم الله النبي محمدا *** فأكرم خلق الله في الناس أحمد.
وشق له من اسمه ليجلّه *** فذو العرش محمود وهذا محمد.
ومن أشهر أشعاره لاميّته التي شهرتها كشهرة (قفا نبك)، وإذا جاز الشكّ في اللاميّة أو في شيء من أبياتها جاز الشك في (قفا نبك)، ومن أبياتها:
أعوذ برب البيت من كل طاعن *** علينا بسوء أو ملح بباطل.
ومن فاجر يغتابنا بمغيبه *** ومن ملحق في الدين ما لم نحاول.
كذبتم وبيت الله نبزي محمدا *** ولما نطاعن دونه ونناضل.
وننصره حتى نصرع دونه * ونذهل عن أبنائنا والحلائل
– إلى أن يقول-
وأبيض يستسقى الغمام بوجهه *** ثمال اليتامى عصمة للأرامل.
يلوذ به الهلاك من آل هاشم *** فهم عنده في نعمة وفواضل.
وميزان صدق لا يخيس شعيرة *** ووزّان صدق وزنه غير غائل.
ألم تعلموا أنّ ابننا لا مكذَّب *** لدينا ولا يعبأ بقول الأباطل.
لعمري لقد كلِّفت وجدا بأحمد *** وأحببته حبّ الحبيب المواصل.
وجدت بنفسي دونه فحميته *** ودافعت عنه بالذرى والكواهل.
فلا زال للدنيا جمالا لأهلها *** وشيناً لمن عادى وزين المحافل.
وأيّده ربّ العباد بنصره *** وأظهر دينا حقّه غير باطل.
هذا. وأختم حديثي في إيمان ومنزلة أبي طالببإيراد رواية رواها الشيخ الصدوق (رضي الله عنه) في كتابه (معاني الأخبار) بسند معتبر عن المفضل- في حديث- قال: قال أبو عبد الله (عليه السلام): “إنّ مثل أبي طالب مثل أصحاب الكهف، أسرّوا الايمان وأظهروا الشرك فآتاهم الله أجرهم مرّتين”.
اللهم صل على محمد وآله، واغفر لنا ولجميع المؤمنين والمؤمنات، وتب علينا إنّك أنت التوّاب الرحيم، اللهم إنّا نحبّ محمّداً وآل محمد فاحشرنا معهم، اللهم إنّانحبّ عمل محمّد وآل محمّد فأشركنا في عملهم، اللهم أرنا في آل محمّد (عليهم السلام) ما يأمَلون، وفي عدوّهم ما يحذرون، اللهم انصر من نصر الدين، واخذل من خذل الدين، وأحلل غضبك بالقوم الظالمين.
إنّ أحسن الحديث كتاب الله العزيز: أعوذ بالله السميع العليم من الشيطان الرجيم ” بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِإِنَّا أَعْطَيْنَاكَ الْكَوْثَرَ (1) فَصَلِّ لِرَبِّكَ وَانْحَرْ (2) إِنَّ شَانِئَكَ هُوَ الْأَبْتَرُ (3).
…………………………………………………………………….
الخطبة الثانية
الحَمدُ للهِ الَّذي يَخلُقُ وَلَم يُخلَق وَيَرزُقُ وَلا يُرزَقُ وَيُطعِمُ وَلا يُطعَمُ وَيُميتُ الأحياءَ وَيُحييَ المَوتى وَهُوَ حَيٌ لا يَموتُ بيَدِهِ الخَيرُ وَهُوَ عَلى كُلِّ شيءٍ قَديرٌ.
وأشهد أن لا إله إلا الله وأشهد ألا إله إلا وحده لا شريك له، لم يولد سبحانه فيكون في العز مشارَكا، ولم يلد فيكون موروثا هالكا، ولم يتقدمه وقت ولا زمان، ولم يتعاوره زيادة ولا نقصان، بل ظهر للعقول بما أرانا من علامات التدبير المتقن والقضاء المبرم.
وأشهد أن محمّداً عبده ورسوله وحبيبه وخاصته وخالصته (صلّى الله عليه وآله) الدليل إليه في الليل الأليل، والماسك من أسبابه بحبل الشرف الأطول، والناصع الحسب في ذروة الكاهل الأعبل، والثابت القدم على زحاليفها في الزمن الأوّل.
أيّها المؤمنون والمؤمنات، أوصيكم ونفسي بتقوى الله والورع عن محارمه، وهو أفضل الأعمال في هذا الشهر، ففي رواية الخطبة النبوية المعروفة قال أمير المؤمنين (عليه السلام) فقمت فقلت: “يا رسول الله ما أفضل الأعمال في هذا الشهر”؟ فقال: “يا أبا الحسن أفضل الأعمال في هذا الشهر الورع عن محارم الله (عزّ وجلّ)”.
اللهم صلّ على محمد خاتم النبيّين والمرسلينالصادق الأمين، وعلى عَليٍّ أميرِ المُؤمِنينَ وَوَصيِّ رَسولِ رَبِّ العالَمينَ وعَلى الصِّدّيقَةِ الطَّاهِرَةِ فِاطِمَةَ سَيِّدَةِ نِساءِ العالَمينَ، وَصَلِّ عَلى سِبطَي الرَّحمَةِ وَإمامَي الهُدى الحَسَنِ وَالحُسَينِ، وَصَلِّ عَلى أئِمَّةِ المُسلِمينَ عَليِّ بنِ الحُسَينِ وَمُحَمَّدِ بنِ عَليٍّ وَجَعفَرِ بنِ مُحَمَّدٍ وَموسى بنِ جَعفَرٍ وَعَليِّ بنِ موسى وَمُحَمَّدِ بنِ عَليٍّ وَعَليِّ بنِ مُحَمَّدٍ وَالحَسَنِ بنِ عَليٍّ وَالخَلَفِ الهادي المَهدي، حُجَجِكَ عَلى عِبادِكَ وَاُمَنائِكَ في بِلادِكِ صَلاةً كَثيرَةً دائِمَةً.
اللهُمَّ وَصَلِّ عَلى وَليِّ أمرِكِ القائِمِ المُؤَمَّلِ وَالعَدلِ المُنتَظَرِ وَحُفَّهُ بِمَلائِكَتِكَ المُقَرَّبينَ وَأيِّدهُ بِروحِ القُدُسِ يا رَبَّ العالَمينَ. اللهم واحفظ وسدّد وأيّد نوّابه بالحقّ،والفقهاء العدول، والعلماء العاملين.
أمّا بعد أيّها الملأ الكريم من المؤمنين والمؤمناتفإلى عناوين أربعة:
العنوان الأول: خديجة (عليها السلام) القدوة:
مثلما عرف النبيّ (صلّى الله عليه وآله) في الجاهلية بالصادق الأمين ففي الجاهلية جاهلية العهر والخنا عرفت خديجة بنت خويلد بالطاهرة، وهذا يعرب عن مدى فطريّة الطهر والتنزّه عن النزوات المنفلتة، وأنّ الطاهرة خديجة كانت تصدر عن هذه الفطرة السليمة، فعلى المرأة المسلمة أن تتمثّل في سلوكها الراجع إلى المعاشرة والفراش خديجة وطهرها وعفّتها وألا تسمح لنفسها أن تحيد عن ذلك قيد شعرة، وألا تتخذ من أي ضاغط مبرّراً لتلويث طهرها وعفّتها،وألا تعدو عيناها عمّا وردنا مستفيضاً: “إن أفضل العبادة عفّة البطن والفرج”.
العنوان الثاني: حرق القرآن ومواجهته:
في الدنمارك وفي شهر القرآن عمد إلى إحراق كتاب الله- وقد سبقه وقد يلحقه إحراقات- وبوسع مثل الدنمارك منع حرقه وأن لا يتمّ لو توفّرت ضغوط كافية من الدول الإسلامية وحكّامها- ولن يعدموا الآلية لو أرادوا- بحيث يفهم مدى خطورة إفساح المجال لمثل هذه الخطوة، ثم ماذا لو كان علم بلد ما هو الذي طاله الإحراق؟ ألم يكن مؤذناً بزلزال من الإجراءات والتحوّلات؟ فهل هوية الدولة وما يرمز إليها أعظم من هويّة الدين والمسلمين؟ ما لكم كيف تحكمون؟!
العنوان الثالث: حول ما سمّي بالديانة الإبراهيمية:
فهل يسع المسلم أن يتخلّى عن مختصّات ومميّزات دينه عمّا سواه من الديانات؟ وهل يبقى له إسلامه إذا ما تخلّى عن قرآنه وقبلته ونبيّه؟! وهل كانت هذه المختصّات مبدأً للنزاعات وجالبة للأزمات ليعمد إلى سلخها من الدين وتجريده منها؟
ولمّا لم يكن من عاصم من النزاعات إلا الدين فهل يصلح لذلك أي دين ولو كان من خلق غير الله الخبير الحكيم الغنيّ وبمسطرته؟!؛ “..قُلۡ مَا يَكُونُ لِيٓ أَنۡ أُبَدِّلَهُۥ مِن تِلۡقَآيِٕ نَفۡسِي..”
ثمّ أليس الدين هو ما أوحاه الله وارتضى التعبّد به فيتلقّى ويؤخذ به؛ “إِنۡ أَتَّبِعُ إِلَّا مَا يُوحَىٰٓ إِلَيَّ”، دون ما ارتضاه غيره وعلى خلاف إرادته سبحانه؟ وإذا كان قوام الدين هو التسليم والاتّباع فعند فقد ذلك لا دين بل هو ضلال وابتداع وإن أسبغ عليه اسم الدين.
ثمّ إذا استبعدنا ما مرّ ذكره يأتي السؤال: على حساب من ولحساب من سلخ الدين من مختصّاته ليبقى بلا ملامح؟ والجواب إنه على حساب الإسلام والمسلمين ولحساب أعدائهما، بل هو على حساب الأديان ومعتنقيها ولحساب أعدائهم.
العنوان الرابع: نصرة أندونيسيا لفلسطين:
سحب ترشيح أندونيسيا لتنظيم كأس العالمللشباب لرفضها استضافة المنتخب الإسرائيلي، ووراء ذلك رفض حاكم بالي ذات الأغلبية غير المسلمة لذلك، وبذلك ناصرت حكومة أندونيسيا- كما شعبها- القضية الفلسطينية، وهي وإن خسرت التنظيم، ولكنّها كسبت الاحترام، هذا من جهة، وقد غدت إسرائيل غير مرحب بها ومنبوذة من جهة أخرى.
اللهم صلّ على محمّد وآل محمّد، اللهم أصلح كلّ فاسد من أمور المسلمين، واغفر لنا ولجميع المؤمنين والمؤمنات، وتجاوز عنّا، وهب لنا رحمة واسعة جامعة نبلغ بها خير الدنيا والآخرة، إله الحقّ وخالق الخلق.
“إِنَّ ٱللَّهَ يَأۡمُرُ بِٱلۡعَدۡلِ وَٱلۡإِحۡسَٰنِ وَإِيتَآيِٕ ذِي ٱلۡقُرۡبَىٰوَيَنۡهَىٰ عَنِ ٱلۡفَحۡشَآءِ وَٱلۡمُنكَرِ وَٱلۡبَغۡيِۚ يَعِظُكُمۡ لَعَلَّكُمۡ تَذَكَّرُونَ”.

