خطبة الجمعة للشيخ علي الصددي 13/03/ 1445هـ الموافق 29 سبتمبر 2023م جامع الإمام الصادق(ع) – الدراز
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
الخطبة الأولى:
أعوذ بالله السميع العليم من الشيطان الغوي الرجيم ..
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله الذي على بحوله، ودنا بطَوله، مانح كلّ غنيمة وفضل، وكاشف كلّ عظيمة وأزْل، أحمده على عواطف كرمه، وسوابغ نعمه، وأؤمن به أوّلاً باديا، وأستهديه قريباً هاديا، وأستعينه قادراً قاهرا، وأتوكّل عليه كافياً ناصرا.
وأشهد أن لا إله غيره، القديم الّذي لا بدئ له، الدائم الّذي لا نفاد له، الدائب الّذي لا فراغ له، الحيّ الذي لا يموت، خالق ما يرى وما لا يرى، عالم كلّ شئ بغير تعليم، السابق في علمه ما لا يهجس المرء في وهمّه، سبحانه وتعالى عمّا يشركون.
وأشهد أن محمدا عبده ورسوله، أرسله بالدين المشهور. والعلم المأثور، والكتاب المسطور. والنور الساطع. والضياء اللامع. والأمر الصادع. إزاحة للشبهات، واحتجاجا بالبينات، وتحذيرا بالآيات، وتخويفا بالمثلات، والناس في فتن انجذم فيها حبل الدين، وتزعزعت سواري اليقين، واختلف النجر وتَشَتَتَ الأمر، وضاق المخرج وعمي المصدر، فالهدى خامل والعمى شامل، عصي الرحمن ونصر الشيطان. وخذل الإيمان فانهارت دعائمه، وتنكرت معالمه، ودرست سبله (صلى الله على محمد نبيّ رحمته وكلمة نوره وعلى آله الأطيبين الأطهرين).
عباد الله وإماءه وأهل إجابته وطاعته أوصيكم ونفسي بتقوى الله وطاعته وطاعة رسوله واتّباعه، وطاعة رسول الله (صلّى الله عليه وآله) واتّباعه من طاعة الله؛ إذ هو من أمر بطاعته، قال الله سبحانه: “مَن يُطِعِ ٱلرَّسُولَ فَقَدۡ أَطَاعَ ٱللَّهَۖ وَمَن تَوَلَّىٰ فَمَآ أَرۡسَلۡنَاكَ عَلَيۡهِمۡ حَفِيظٗا”- النساء: ٨٠-، وفي طاعة الله ورسوله (صلّى الله عليه وآله) النجاة والفوز العظيم، قال الله سبحانه:
“..وَمَن يُطِعِ ٱللَّهَ وَرَسُولَهُۥ فَقَدۡ فَازَ فَوۡزًا عَظِيمًا”- الأحزاب: ٧١-، وتقوى الله سبحانه باعثة أولياءه إلى طاعتهوزاجرة لهم عن معصيته ومحارمه، والتقوى ألزمت قلوبهم مخافته.
ثمّ أرفع إلى مقام وليّ الله الأعظم الحجّة المنتظر المهديّ (عجّل الله فرجه الشريف)، وإلى مراجعنا العظام وعلمائنا الأعلام، وإلى أهل الإسلام والإيمان عامّة، وإليكم أيّها الملأ المؤمن الكريم خاصّة أسمى آيات التهاني والتبريك بذكرى ولادة رسول الله (صلّى الله عليه وآله)، والّتي تاريخها مردّد بين الثاني عشر من ربيع المولود- كما عليه جمهور المسلمين، وهو رأي ثقة الإسلام الشيخ الكلينيّ (رضي الله عنه)- وبين السابع عشر منه- كما هو المشهور بيننا- ، ومن هذا الترديد في ذكرى ولادته(صلّى الله عليه وآله) لمعت فكرة أسبوع الوحدةالإسلاميّة.
وبعد، فيقول الله سبحانه فيما يخصّ تفويض أمر خلقه إلى رسوله الأعظم (صلّى الله عليه وآله): “.. وَمَا آتَاكُمُ ٱلرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَمَا نَهَاكُمۡ عَنۡهُ فَٱنتَهُواْۚ وَٱتَّقُواْ ٱللَّهَۖإِنَّ ٱللَّهَ شَدِيدُ ٱلۡعِقَابِ”- الحشر: ٧-، فكما تجب طاعة الله فيما أمر به ونهى عنه فإنّه تجب طاعة رسوله المصطفى (صلّى الله عليه وآله)، ويلزم أمّته أن تأخذ ما أتاها به، وأن تنتهي عمّا نهاها عنه، ولا يسع مؤمناً أو مؤمنة أن يختار خلاف ما أمر أو نهى (صلّى الله عليه وآله)، ويسلم له مع ذلك إيمانه، قال الله سبحانه: “وَمَا كَانَ لِمُؤۡمِنٖوَلَا مُؤۡمِنَةٍ إِذَا قَضَى ٱللَّهُ وَرَسُولُهُۥٓ أَمۡرًا أَن يَكُونَ لَهُمُ ٱلۡخِيَرَةُ مِنۡ أَمۡرِهِمۡۗ وَمَن يَعۡصِ ٱللَّهَ وَرَسُولَهُۥ فَقَدۡ ضَلَّ ضَلَالٗا مُّبِينٗا”- الأحزاب: ٣٦”-، ولزاماً علينا أن نشفع زعم حبّنا لله سبحانه بشاهد صدقنا على ذلك، وهو واجب اتّباعه (صلّى الله عليه وآله)، قال الله سبحانه: “قُلۡ إِن كُنتُمۡ تُحِبُّونَ ٱللَّهَ فَٱتَّبِعُونِي يُحۡبِبۡكُمُ ٱللَّهُ وَيَغۡفِرۡ لَكُمۡ ذُنُوبَكُمۡۚ وَٱللَّهُ غَفُورٞ رَّحِيمٞ”- آل عمران: ٣١-، وبهذا الاتّباع نظفر بحبّ الله لنا، وبدون اتّباعه فنحن- حقّاً وصدقاً- لا نحبّ الله ولا يحبّنا الله سبحانه.
ثمّ إنّ طاعة رسول الله (صلّى الله عليه وآله) ليس في خصوص ما بلّغه عن الله، فكما تجب طاعته فيما بلّغه عن الله سبحانه فإنّه تجب طاعته فيما أمر به ونهى عنه من تلقاء نفسه، فقد غاير الكتاب العزيز بين هاتين الطاعتين، ونوّع في التعبير عنهما، فجاء تعبيره عن طاعته في التبليغ عن الله بنحو: “قُلۡ أَطِيعُواْ ٱللَّهَ وَٱلرَّسُولَۖ فَإِن تَوَلَّوۡاْ فَإِنَّ ٱللَّهَ لَا يُحِبُّ ٱلۡكَٰفِرِينَ”- آل عمران: ٣٢-، ومن دون أن يكرّر (أطيعوا)، بينما جاء تعبيره عن طاعة أوامره ونواهيه من غير تبليغ عن الله بنحو: “يَٰٓأَيُّهَا ٱلَّذِينَ ءَامَنُوٓاْ أَطِيعُواْ ٱللَّهَوَأَطِيعُواْ ٱلرَّسُولَ وَلَا تُبۡطِلُوٓاْ أَعۡمَٰلَكُمۡ”- محمد: ٣٣-، وقد فهم من نفس تكرار الأمر بالطاعة ألّا غرض منه إلا الإشارة إلى لزوم طاعة ما يصدر منه (صلّى الله عليه وآله) من أوامر ونواهٍ، وهو الّذي يعبّر في كلمات العلماء بولاية التشريع والأمر والنهي.
ثمّ إنّه قد جاءت الرواية بهذا عن أهل البيت (عليهم) مستفيضة، ومنها ما عقد له ثقة الإسلام الشيخ الكلينيّ (رضي الله عنه) باباً في كتاب الحجّة من كتابه (الكافي)، وعنونه بعنوان: “باب التفويض إلى رسول الله (صلّى الله عليه وآله) وإلى الأئمّة (عليهم السلام) في أمر الدين”، ومن روايات هذا الباب موثّقة زرارة أنّه سمع أبا جعفر وأبا عبد الله (عليهما السلام) يقولان: إنّ الله تبارك وتعالى فوّض إلى نبيّه (صلّى الله عليه وآله) أمر خلقه لينظر كيف طاعتهم، ثمّ تلا هذه الآية: “مَا آتَاكُمُ ٱلرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَمَا نَهَاكُمۡ عَنۡهُ فَٱنتَهُواْۚ”- الكافي١: ٢٦٧ ح٥-، ومن روايات هذا الباب ما صدّرت بأنّ الله سبحانه إنّما جعل لرسوله (صلّى الله عليه وآله) ولاية الأمر والنهي بعد أن أتمّ تأديبه، بحيث لو لم يقوّمه لما فوّض إليه أمر خلقه ودينه، ومنه يعرف عظم أمر التشريع وأنّ من مؤهَلاته إكمالالمشرّع وتقويمه، وحيث لا فلا أهلية له للتشريع، ففي الرواية المعتبرة عن أبي إسحاق النحويّ- وهو الثقة الجليل ثعلبة بن ميمون- قال: دخلت على أبي عبد الله (عليه السلام) فسمعته يقول: إنّ الله (عزّ وجلّ) أدّب نبيّه على محبّته فقال: “وإنّك لعلى خلق عظيم”، ثمّ فوّض إليه فقال (عزّ وجلّ): “وما آتاكم الرسول فخذوه وما نهاكم عنه فانتهوا” وقال (عزّ وجلّ): “من يطع الرسول فقد أطاع الله” قال: ثم قال: وإنّ نبيّ الله فوّض إلى عليّ وائتمنه، فسلمتم وجحد الناس، فوالله لنحبّكم أن تقولوا إذا قلنا، وأن تصمتوا إذا صمتنا، ونحن فيما بينكم وبين الله (عزّ وجلّ)، ما جعل الله لأحد خيرا في خلاف أمرنا”.
وفي الرواية الصحيحة عن فضيل بن يسار قال: سمعت أبا عبد الله (عليه السلام) يقول لبعض أصحاب قيس الماصر: إنّ الله (عزّ وجلّ) أدّب نبيّه فأحسن أدبه، فلمّا أكمل له الأدب قال: “إنّك لعلى خلق عظيم”، ثم فوّض إليه أمر الدين والأمّة ليسوس عباده، فقال (عزّ وجلّ): “ما آتاكمالرسول فخذوه وما نهاكم عنه فانتهوا “، وإنّ رسول الله (صلّى الله عليه وآله) كان مسدّدا موفّقا مؤيّدا بروح القدس، لا يزل ولا يخطئ في شيء ممّا يسوس به الخلق، فتأدّب بآداب الله، ثمّ إنّ الله (عزّ وجلّ) فرض الصلاة ركعتين ركعتين، عشر ركعات، فأضاف رسول الله (صلّى الله عليه وآله) إلى الركعتين ركعتين وإلى المغرب ركعة، فصارت عديل الفريضة لا يجوز تركهن إلا في سفر وأفرد الركعة في المغرب فتركها قائمة في السفر والحضر، فأجاز الله (عزّ وجلّ) له ذلك، فصارت الفريضة سبع عشرة ركعة، ثم سنّ رسول الله (صلّى الله عليه وآله) النوافل أربعا وثلاثين ركعة مثلي الفريضة، فأجاز الله (عزّ وجلّ) له ذلك، والفريضة والنافلة إحدى وخمسون ركعة، منها ركعتان بعد العتمة جالساً تعدّ بركعة مكان الوتر، وفرض الله في السنة صوم شهر رمضان، وسنّ رسول الله (صلّى الله عليه وآله) صوم شعبان وثلاثـ [ـة] أيام في كلّ شهر مثلي الفريضة، فأجاز الله (عزّ وجل) له ذلك، وحرّم الله(عزّ وجلّ) الخمر بعينها، وحرم رسول الله (صلّى الله عليه وآله) المسكر من كلّ شراب، فأجاز الله له ذلك كلّه..”.
وروى شيخ الطائفة الطوسيّ (رضي الله عنه) في كتابه (تهذيب الأحكام)- ٩: ٣٩٧ ب ٤٦ ح٢٤- بسنده عن القاسم بن الوليد عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال: “إنّ الله أدّب محمّداً (صلّى الله عليه وآله) فأحسن تأديبه، فقال: (خُذِ ٱلۡعَفۡوَ وَأۡمُرۡ بِٱلۡعُرۡفِوَأَعۡرِضۡ عَنِ ٱلۡجَاهِلِينَ)- الأعراف: ١٩٩-، قال: فلمّا كان ذلك أنزل الله عليه (وإنّك لعلى خلق عظيم)، فلما كان ذلك فوّض إليه دينه فقال: (مَا آتَاكُمُ ٱلرَّسُولُفَخُذُوهُ وَمَا نَهَاكُمۡ عَنۡهُ فَٱنتَهُواْۚ وَٱتَّقُواْ ٱللَّهَۖ إِنَّ ٱللَّهَشَدِيدُ ٱلۡعِقَابِ).
وفي مدحه قال أحد شعراء حلب مضمّنا بيتي حسان بن ثابت، وهو شطر من قصيدة:
أيا سكان طيبة إن فيكم * يطيب لي التمدح والرثاء
نأيتم عن عيوني واحتجبتم * فهلا كان لي منكم لقاء
على قلبي تجلى من حماكم * حبيب قد تغشاه البهاء
جميل لا يشابهه جمال * منير لا يقاربه سناء
يعير البدر عند التم نورا * وهل إلا به ذاك الضياء
به الغبراء جاءت ثم قالت * ومن مثلي فهاتي يا سماء
نبيّ هاشمي أبطحي * قريشي يمازجه الذكاء
ومنها :
وما إن جئت أمدحه بنظمي * ولكن فيه للنظم الثناء
به الألفاظ تنفد والسجايا * لعمر أبيك ليس لها انتهاء
رسول اللّه ما مدحي بواف * وأين المدح مني والوفاء
رقيت من الكمال إلى مقام * عليّ لا يقاربه علاء
وكيف وقد ملكت زمام حسن * بشطر منه جاء الأنبياء
(فأحسن منك لم تر قط عين * وأجمل منك لم تلد النساء)
(ولدت مبّرأ من كل عيب * كأنك قد ولدت كما تشاء )
وثمّة نقطة ثانية في هذا المقام في عرض رشحة من معين مولانا أبي عبد الله جعفر بن محمّد الصادق (صلوات الله وسلامه عليه) ونحن على أعتاب ذكرى ولادته الميمونة، وأسعد الله أيامكم بطاعته وقربه، ففي كتاب (الأمالي) لرئيس المحدّثين الشيخ الصدوق (رضي الله عنه) بسنده عن الحسين بن يزيد النوفليّ قال: سمعت مالك بن أنس الفقيه يقول: والله ما رأت عيني أفضل من جعفر بن محمد زهدا وفضلا وعبادة وورعا، فكنت أقصده فيكرمني ويقبل عليّ، فقلت له يوما يا ابن رسول الله ما ثواب من صام يوما من رجب إيمانا واحتسابا؟ قال – وكان والله إذا قال صدق -: حدّثني أبي عن أبيه عن جدّه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وآله: من صام يوما من رجب إيمانا واحتسابا غفر له، فقلت له: يا بن رسول الله فما ثواب من صام يوما من شعبان؟ قال: حدّثني أبي عن أبيه عن جدّه قال: قال رسول الله(صلّى الله عليه وآله): من صام يوما من شعبان إيمانا واحتسابا غفر له”. هذا وقد أثر عنه عمله بيده وتعرضه للرزق والمعيشة ليستغني عن غيره، ففي الكافي بسند صحيح عن إسماعيل بن جابر قال: أتيت أبا عبد الله (عليه السلام) وإذا هو في حائط له وبيده مسحاة وهو يفتح بها الماء، وعليه قميص شبه الكرابيس، كأنه مخيط عليه من ضيقه. وفي الكافي أيضاً بسنده عن أبي عمرو الشيبانيّ قال: رأيت أبا عبد الله (عليه السلام) وبيده مسحاة وعليه أزار غليظ يعمل في حائط له، والعرق يتصابّ عن ظهره، فقلت:
جعلت فداك أعطني أكفك، فقال لي: إني أحب أن يتأذّى الرجل بحرِّ الشمس في طلب المعيشة. وفي الكافي أيضاً بسنده عن عبد الأعلى مولى آل سام قال: استقبلت أبا عبد الله (عليه السلام) في بعض طرق المدينة في يوم صايف شديد الحرّ فقلت: جعلت فداك، حالك عند الله (عزّ وجلّ) وقرابتك من رسول الله (صلّى الله عليه وآله) وأنت تجهد لنفسك في مثل هذا اليوم؟ فقال: يا عبدالأعلى خرجت في طلب الرزق لأستغني عن مثلك. ولنا جميعاً- سيما الشباب- به (صلوات الله عليه) أسوة حسنة.
اللهم صلّ على محمّد وآل محمّد، وارزقنا رِزقاً تُغنيَنا بِهِ عَن تَكَلُّفِ ما في أيدي النّاسِ مِن رِزقِكَ الحَلالِ الطَّيِّبِ، وأغننا بحلالك عن حرامك، واغفر لنا ولجميع المؤمنين والمؤمنات، وتب علينا إنّك أنت التوّاب الرحيم، اللهم إنّا نحبّ محمّداً وآل محمّد فاحشرنا معهم، اللهم إنّا نحبّ عمل محمّد وآل محمّد فأشركنا في عملهم، وأحينا محياهم، وأمتنا مماتهم، وتوفّنا على ملّتهم ودينهم، اللهم أرنا في آل محمّد (عليهم السلام) ما يأمَلون، وفي عدوّهم ما يحذرون،اللهم انصر من نصر الدين، واخذل من خذل الدين، وأحلل غضبك بالقوم الظالمين.
ثم إن أحسن القصص وأبلغ الموعظة وأنفع التذكّر كتاب الله (عزّ وجلّ). أعوذ بالله من الشيطان الرجيم “بسم الله الرحمن الرحيم – إِنَّآ أَعۡطَيۡنَٰكَ ٱلۡكَوۡثَرَ – فَصَلِّ لِرَبِّكَ وَٱنۡحَرۡ – إِنَّ شَانِئَكَ هُوَ ٱلۡأَبۡتَرُ”
……………………………………………………………………
الخطبة الثانية
الحمد لله الذي لم يسبق له حال حالا، فيكون أولا قبل أن يكون آخرا، ويكون ظاهرا قبل أن يكون باطنا، كلّ مسمى بالوحدة غيره قليل، وكلّ عزيز غيره ذليل، وكلّ قويّ غيره ضعيف، وكلّ مالك غيره مملوك، وكلّ عالم غيره متعلّم، وكلّ قادر غيره يقدر ويعجز، وكلّ سميع غيره يَصمّ عن لطيف الأصوات، ويُصمّه كبيرها، ويذهب عنه ما بعُد منها، وكلّ بصير غيره يعمى عن خفيّ الألوان ولطيف الأجسام، وكلّ ظاهر غيره باطن، وكلّ باطن غيره غير ظاهر، لم يخلق ما خلقه لتشديد سلطان، ولا تخوّف من عواقب زمان، ولا استعانة على ندّ مثاور، ولا شريكٍ مكاثر، ولا ضدٍّ منافر، ولكن خلائق مربوبون، وعباد داخرون.
أشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأن محمّداً عبده ورسوله (صلّى الله عليه وآله) شهادتين تصعدان القول وترفعان العمل، لا يخف ميزان توضعان فيه، ولا يثقل ميزان ترفعان عنه.
أيّها المؤمنون والمؤمنات أوصيكم ونفسي بتقوى الله، وتقواه نعم الزاد ليوم المعاد، وهي مع قليل العمل كثير مقبول، وطويل الاجتهاد من دونها قليل بل مردود.
اللهم صلّ على محمد خاتم النبيّين والمرسلين الصادق الأمين، وعلى عَليٍّ أميرِ المُؤمِنينَ وَوَصيِّ رَسولِ رَبِّ العالَمينَ وعَلى الصِّدّيقَةِ الطَّاهِرَةِ فِاطِمَةَ سَيِّدَةِ نِساءِ العالَمينَ، وَصَلِّ عَلى سِبطَي الرَّحمَةِ وَإمامَي الهُدى الحَسَنِ وَالحُسَينِ، وَصَلِّ عَلى أئِمَّةِ المُسلِمينَ عَليِّ بنِ الحُسَينِ وَمُحَمَّدِ بنِ عَليٍّ وَجَعفَرِ بنِ مُحَمَّدٍ وَموسى بنِ جَعفَرٍ وَعَليِّ بنِ موسى وَمُحَمَّدِ بنِ عَليٍّ وَعَليِّ بنِ مُحَمَّدٍ وَالحَسَنِ بنِ عَليٍّ وَالخَلَفِ الهادي المَهدي، حُجَجِكَ عَلى عِبادِكَ وَاُمَنائِكَ في بِلادِكِ صَلاةً كَثيرَةً دائِمَة.
اللهُمَّ وَصَلِّ عَلى وَليِّ أمرِكِ القائِمِ المُؤَمَّلِ وَالعَدلِ المُنتَظَرِ وَحُفَّهُ بِمَلائِكَتِكَ المُقَرَّبينَ وَأيِّدهُ بِروحِ القُدُسِ يا رَبَّ العالَمينَ, اللهم واحفظ وسدّد وأيّد نوّابه بالحقّ، والفقهاء العدول، والعلماء العاملين.
أمّا بعد أيّها الملأ الكريم من المؤمنين والمؤمناتفالحديث في هذا المقام في عنوانين:
العنوان الأوّل: قانون الأسرة والساعون في تعديله:
لا يريد شعب هذا البلد المسلم والمؤمن أن يتمّ التقنين لأحواله الشخصيًة ومنها ما يرتبط بالأسرة بغير ما سنّه الله ورسوله (صلّى الله عليه وآله)، وبغير فهم ونظر الفقهاء العدول المأمونين على دين الناس ودنياهم. ونقطة على السطر.
العنوان الثاني: أسبوع الوحدة الإسلاميّة وبركتها:
الوحدة مع ما فيها من تعاضد وتظاهر وتعاون على ما هو خير وبتقوى الله في الدوائر الصغيرة والكبيرة وما بينهما مطلوب للعقلاء؛ إذ بالوحدة يعود المتّحدون أكثر قوّة ومنعة وهيبة واستطالة، فالراغب عنها قاصر أو غير جدير بموقعه. وقد أرشد الشارع الخبير الحكيم إلى الوحدة في دائرة واسعة وبين الموحّدين فقال سبحانه: “قُلۡ يَٰٓأَهۡلَ ٱلۡكِتَٰبِتَعَالَوۡاْ إِلَىٰ كَلِمَةٖ سَوَآءِۭ بَيۡنَنَا وَبَيۡنَكُمۡ أَلَّا نَعۡبُدَ إِلَّا ٱللَّهَوَلَا نُشۡرِكَ بِهِۦ شَيۡـٔٗا وَلَا يَتَّخِذَ بَعۡضُنَا بَعۡضًا أَرۡبَابٗا مِّن دُونِ ٱللَّهِۚ فَإِن تَوَلَّوۡاْ فَقُولُواْ ٱشۡهَدُواْ بِأَنَّا مُسۡلِمُونَ”- آل عمران: ٦٤-، وهي دعوة- لا محالة- للوحدة في الدائرة الصغيرة وبين المؤمنين، كما هي دعوة للوحدة في الدائرة المتوسّطة وبين المسلمين.وبشهادة أن لا إله إلا الله والتصديق برسول الله(صلّى الله عليه وآله)- حقنت الدماء وعليه جرت المناكح والمواريث، واجتمعوا على الصلاة والزكاة والصوم والحجّ. و”المسلم أخو المسلم، لا يظلمه ولا يغشّه ولا يخذله ولا يغتابه ولا يخونه ولا يحرمه”، والمسلمون “يد على من سواهم”، ولسان حال المسلم ومقاله اتّجاه أخيه المسلم مقال هابيل لأخيه- على ما حكاه عنه الله سبحانه: “لَئِنۢ بَسَطتَ إِلَيَّ يَدَكَ لِتَقۡتُلَنِي مَآ أَنَا۠ بِبَاسِطٖ يَدِيَ إِلَيۡكَ لِأَقۡتُلَكَۖ إِنِّيٓ أَخَافُ ٱللَّهَ رَبَّ ٱلۡعَالَمِينَ – إِنِّيٓ أُرِيدُ أَن تَبُوٓأَ بِإِثۡمِي وَإِثۡمِكَ فَتَكُونَ مِنۡ أَصۡحَابِ ٱلنَّارِۚ وَذَٰلِكَ جَزَاءُ ٱلظَّالِمِينَ”- المائدة٢٨، ٢٩-، ولإفشال مخطّطات أعداء الأمّة الراقصين على وتر الطائفيّة، والساعين جهدهم في المزيد من طأفنتها وتعميق فوارقها وتقزيم مشتركاتها- تمسّ الحاجة والضرورة إلى أن تعلن كلّ طائفة من طوائف المسلمين اتّجاه بقيّة الطوائف منطق هابيل المنطق الحكيم والّذي يفيض رشدا،”لَئِنۢ بَسَطتَ إِلَيَّ يَدَكَ لِتَقۡتُلَنِي مَآ أَنَا۠ بِبَاسِطٖ يَدِيَ إِلَيۡكَ لِأَقۡتُلَكَۖ إِنِّيٓ أَخَافُ ٱللَّهَ رَبَّ ٱلۡعَالَمِينَ”
هذا، وقد نهينا صراحةً عن أن نوجد الفُرقة ونؤسّس لها، قال الله سبحانه: “.. وَلَا تَفَرَّقُواْۚ وَٱذۡكُرُواْ نِعۡمَتَ ٱللَّهِ عَلَيۡكُمۡ إِذۡ كُنتُمۡ أَعۡدَآءٗ فَأَلَّفَ بَيۡنَ قُلُوبِكُمۡ فَأَصۡبَحۡتُم بِنِعۡمَتِهِۦٓ إِخۡوَٰنٗا”- آل عمران: ١٠٣-، وقال سبحانه: “وَلَا تَكُونُواْ كَٱلَّذِينَ تَفَرَّقُواْ وَٱخۡتَلَفُواْمِنۢ بَعۡدِ مَا جَآءَهُمُ ٱلۡبَيِّنَاتُۚ وَأُوْلَٰٓئِكَ لَهُمۡ عَذَابٌ عَظِيمٞ”- آل عمران: ١٠٥-، وثمّة أمور لا تقلّ- سوءاً وملاكاً- عن إيجاد الفُرقة والتأسيس، ومنها عدم معالجة أسبابها والقضاء عليها، ومنها عدم إدارة الاختلاف الموجد لها، وتعميقها ومزايدة تبعاتها.
اللهم صلّ على محمّد وآل محمّد، وأصلح كلّ فاسد من أمور المسلمين، واغفر لنا ولآبائنا ولأمهاتنا ولمن له حقّ علينا ولجميع المؤمنين والمؤمنات، وتجاوز عنّا، وهب لنا رحمة واسعة جامعة نبلغ بها خير الدنيا والآخرة، واشفِ مرضانا، وردّ غرباءنا، وفكّ أسرانا، إله الحقّ وخالق الخلق.
“إِنَّ ٱللَّهَ يَأۡمُرُ بِٱلۡعَدۡلِ وَٱلۡإِحۡسَٰنِ وَإِيتَآيِٕ ذِي ٱلۡقُرۡبَىٰوَيَنۡهَىٰ عَنِ ٱلۡفَحۡشَآءِ وَٱلۡمُنكَرِ وَٱلۡبَغۡيِۚ يَعِظُكُمۡ لَعَلَّكُمۡ تَذَكَّرُونَ”.

