خطبة الجمعة للشيخ علي الصددي 29/02/ 1445هـ الموافق 15 سبتمبر 2023م جامع الإمام الصادق(ع) – الدراز
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
الخطبة الأولى:
أعوذ بالله السميع العليم من الشيطان الغوي الرجيم ..
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله الذي بطن خفيات الأمور، ودلّت عليه أعلام الظهور، وامتنع على عين البصير، فلا عين من لم يره تنكره، ولا قلب من أثبته يبصره، سبق في العلو فلا شيء أعلى منه، وقرب في الدنو فلا شيء أقرب منه، فلا استعلاؤه باعده عن شيء من خلقه، ولا قربه ساواهم في المكان به، لم يطلع العقولَ على تحديد صفته، ولم يحجبها عن واجب معرفته، فهو الّذي تشهد له أعلام الوجود على إقرار قلب ذي الجحود، تعالى الله عمّا يقول المشبّهون به والجاحدون له علوا كبيرا”.
وأشهد ألا إله إلا الله وحده لا شريك له ولا عديلولا خلف لقوله ولا تبديل، وأشهد أن محمّداً عبده ورسوله، “بعثه والناس ضلّال في حَيرة، وخابطون في فتنة، قد استهوتهم الأهواء، واستزلّتهم الكبرياء، واستخّفتهم الجاهلية الجهلاء، حيارى في زلزال من الأمر، وبلاء من الجهل. فبالغ (صلى الله عليه وآله) في النصيحة، ومضى على الطريقة، ودعا إلى الحكمة والموعظة الحسنة”.
عباد الله وإماءه وأهل طاعته، أوصيكم ونفسي بتقوى الله، “الذي أنتم بعينه، ونواصيكم بيده، وتقلبّكم في قبضته، وإن أسررتم علمه، وإن أعلنتم كتبه، قد وكّل بذلك حفظة كراما لا يسقطون حقّا، ولا يثبتون باطلا”.
آجركم الله وأثابكم بمصابكم برسول الله (صلّى الله عليه وآله)، فما أعظم المصيبة به.
أمّا بعد فالحديث في هذا المقام في آيات أربع في صاحب الذكرى النبيّ المصطفى محمّد (صلّى الله عليه وآله صلاة تشفع لنا يوم القيامة ويوم الفاقة إليه).
الآية الأولى، وهي تتحدّث عن مقام من مقامات النبيّ الخاتم (صلّى الله عليه وآله)، قال الله سبحانه في سورة الأنعام: “قُلۡ إِنَّ صَلَاتِي وَنُسُكِي وَمَحۡيَايَ وَمَمَاتِي لِلَّهِ رَبِّ ٱلۡعَالَمِينَ – لَا شَرِيكَ لَهُۥۖ وَبِذَٰلِكَ أُمِرۡتُ وَأَنَا۠ أَوَّلُ ٱلۡمُسۡلِمِينَ”- الأنعام: ١٦٢، ١٦٣-، فقد أُمِرَ (صلّى الله عليه وآله)- بموجب هذه الآية الكريمة- بأن يخلص الله بعبادته من صلاة ونسك، ولا يشرك معه فيها غيره، وأن يخلصه ولا يشرك معه غيره في غير العبادة، فيجعل من محياه ومماته في جميع ما يرجع إليه (صلّى الله عليه وآله) من فعل وترك وصفة- لله سبحانه، وهو سبحانه حقيق بذلك، فهو الربّ والمالك، وللمالك التقلّب في ملكه وبنحو مباشر وغير مباشر بأن يأمر عبده بفعل أو بتركِ آخر. ثمّ إنّ الآية الكريمة قد حَكَتْ على لسانه (صلّى الله عليه وآله): (وَأَنَا۠ أَوَّلُ ٱلۡمُسۡلِمِينَ)، والإسلام هنا هو الإسلام لله سبحانه، والعبوديّة التامّة له ومن كلّ باب وأيّة جهة. وفي آية أخرى سابقة على هذه الآية من نفس السورة أمر (صلّى الله عليه وآله) بأن يكون أول من أسلم، قال الله سبحانه: “قُلۡأَغَيۡرَ ٱللَّهِ أَتَّخِذُ وَلِيّٗا فَاطِرِ ٱلسَّمَاوَاتِ وَٱلۡأَرۡضِ وَهُوَ يُطۡعِمُ وَلَا يُطۡعَمُۗ قُلۡ إِنِّيٓ أُمِرۡتُ أَنۡ أَكُونَ أَوَّلَ مَنۡ أَسۡلَمَۖ وَلَا تَكُونَنَّ مِنَ ٱلۡمُشۡرِكِينَ”- الأنعام: ١٤-، كما أمر بذلك في سورة الزمر قال الله سبحانه: “قُلۡ إِنِّيٓ أُمِرۡتُ أَنۡ أَعۡبُدَ ٱللَّهَمُخۡلِصٗا لَّهُ ٱلدِّينَ – وَأُمِرۡتُ لِأَنۡ أَكُونَ أَوَّلَ ٱلۡمُسۡلِمِينَ”- الزمر: ١١، ١٢-، ولم يوصف أحد من الأنبياء وغيرهم في كتاب الله سبحانه بأول المسلمين سوى ما في هذه الآية على لسان النبيّ الخاتم (صلّى الله عليه وآله)، فقال: (وَأَنَا۠ أَوَّلُ ٱلۡمُسۡلِمِينَ)، نعم وصف بعض الأنبياء بالمسلمين، فقد حكى الله سبحانه ذلك عن نوح إذ قال: “وأمرت أن أكون من المسلمين”- يونس: ٧٢-، وعن إبراهيم في قوله: “أسلمت لرب العالمين”- البقرة: ١٣١-، وعنه وعن أبنه إسماعيل في قولهما: “ربنا واجعلنا مسلمين لك”- البقرة: ١٢٨-، وعن لوط في قوله: “فما وجدنا فيها غير بيت من المسلمين”- الذاريات: ٣٦-، فالنبيّ الخاتم (صلّى الله عليه وآله) هو أول المسلمين، وهو أولهم من حيث درجة الاسلام ومنزلته لا بالنسبة إلى إسلام أمّته خاصّة؛ فإنّه لا شاهد على ذلك، بل بالنسبة حتى إلى من تقدّم عليه وجوداً في هذه النشأة من الأنبياء وغيرهم.
الآية الثانية، وهي تتحدّث عن وظيفة ومسؤولية إلهيّة من مسؤوليات النبيّ الخاتم (صلّى الله عليه وآله)، قال الله سبحانه: “وَمَآ أَرۡسَلۡنَاكَ إِلَّا كَآفَّةً لِّلنَّاسِ بَشِيرٗا وَنَذِيرٗا وَلَٰكِنَّ أَكۡثَرَ ٱلنَّاسِ لَا يَعۡلَمُونَ”- سبأ: ٢٨-، وهي وظيفة كفّ الناس ونهيهم عمّا يضرّهم ويفسد عليهم حياتهم في النشأتين، فهو (صلّى الله عليه وآله) كافّة على وجه المبالغة في الكفّ، كما في عالم وعلّامة، وقد عكس الكتاب حرصه (صلّى الله عليه وآله) على هداية الناس، فممّا قاله سبحانه: “لَقَدۡ جَآءَكُمۡ رَسُولٞ مِّنۡ أَنفُسِكُمۡ عَزِيزٌ عَلَيۡهِ مَا عَنِتُّمۡ حَرِيصٌ عَلَيۡكُم بِٱلۡمُؤۡمِنِينَ رَءُوفٞ رَّحِيم”- التوبة: ١٢٨-، كما عكس شدّة أسفه على ضلالة الناس، فممّا قاله سبحانه: “.. فَلَا تَذۡهَبۡ نَفۡسُكَ عَلَيۡهِمۡ حَسَرَاتٍۚ إِنَّ ٱللَّهَ عَلِيمُۢ بِمَا يَصۡنَعُونَ”- فاطر: ٨-.
ثمّ من وظائفنا اتجاهه (صلّى الله عليه وآله) وبإزاء نصحه لنا وحرصه وإشفاقه علينا أن نشكر له هذا المعروف، ولو بالاعتراف بجميله ومعروفه، فنقول- كما في المأثور من زيارته-: “وَاَشهَدُ أَنَّكَ قَدْ نَصَحتَ لاُمَّتِكَ.
الآية الثالثة، وهي تتحدّث عمّا خلص إليه من أذى قومه وما تجرّعه من مرارات وما اعتصر له قلبه من آلام، وما ضاق به صدره من غمّ لا يحيط بشدّته عليه إلا الله وحده رغم حرصه (صلّى الله عليه وآله)على هدايتهم وإشفاقه عليهم، قال الله سبحانه: “وَلَقَدۡ نَعۡلَمُ أَنَّكَ يَضِيقُ صَدۡرُكَ بِمَا يَقُولُونَ – فَسَبِّحۡ بِحَمۡدِ رَبِّكَ وَكُن مِّنَ ٱلسَّاجِدِينَ – وَٱعۡبُدۡ رَبَّكَ حَتَّىٰ يَأۡتِيَكَ ٱلۡيَقِينُ”- الحجر: ٩٧- ٩٩-، ثمّ ندبه سبحانه إلى مسكّنات ثلاث تخفّف عليه غلواء تلكم الآلام وتسليه عنها أو إلى علاجات ثلاثة تخلّصه من غمّه بفضل لجئه إلى ربّه، وتذهب بما ألمّ به ووقع عليه، وترمّم ما حفر من ألم في قلبه، أوْلاها: أن يسبّح الله مقروناً بحمده بأن يقول: سبحان الله وبحمده أو سبحان ربّي وبحمده، وقد نجع هذا تسبيح الله وتنزيهه مع يونس النبيّ (عليه السلام)، ونجا به من بليّته وغمّه، وحكى ذلك عنه الكتاب العزيز بقوله: “وَذَا ٱلنُّونِ إِذ ذَّهَبَ مُغَٰضِبٗا فَظَنَّ أَن لَّن نَّقۡدِرَ عَلَيۡهِ فَنَادَىٰ فِي ٱلظُّلُمَٰتِ أَن لَّآ إِلَٰهَ إِلَّآ أَنتَ سُبۡحَٰنَكَ إِنِّي كُنتُ مِنَ ٱلظَّٰلِمِينَ – فَٱسۡتَجَبۡنَا لَهُۥ وَنَجَّيۡنَٰهُ مِنَ ٱلۡغَمِّۚ وَكَذَٰلِكَ نُـۨجِي ٱلۡمُؤۡمِنِينَ”- الأنبياء: ٨٧، ٨٨-.
وثانيها: أن يخرّ لله ساجدا، ولعلّه سبحانه يريد بفعل السجود الإتيان بالصلاة، فهو من باب ذكر أبلغ ما في الشيء، وأبلغ ما في الصلاة هو السجود، وثالثها: أن يلجأ إلى عبادة ربّه بصنوفها ولو لم تكن تسبيحاً أو سجودا ً.
وقد أوصاه ربّه مكرّراً بالصبر وبالتسبيح الموقّت، قال سبحانه: “فَٱصۡبِرۡ عَلَىٰ مَا يَقُولُونَ وَسَبِّحۡ بِحَمۡدِ رَبِّكَ قَبۡلَ طُلُوعِ ٱلشَّمۡسِ وَقَبۡلَ غُرُوبِهَاۖ وَمِنۡ ءَانَآيِٕ ٱلليۡلِفَسَبِّحۡ وَأَطۡرَافَ ٱلنَّهَارِ لَعَلَّكَ تَرۡضَىٰ”- طه: ١٣٠-، وقال سبحانه: “فَٱصۡبِرۡ عَلَىٰ مَا يَقُولُونَ وَسَبِّحۡ بِحَمۡدِ رَبِّكَ قَبۡلَ طُلُوعِ ٱلشَّمۡسِ وَقَبۡلَ ٱلۡغُرُوبِ – وَمِنَ ٱلليۡلِ فَسَبِّحۡهُ وَأَدۡبَارَ ٱلسُّجُودِ”- ق: ٣٩، ٤٠-، وقد أوصاه بالاستغفار إلى جانب وصيّته له بالصبر والتسبيح الموقّت فقال سبحانه: “فَٱصۡبِرۡ إِنَّ وَعۡدَ ٱللَّهِ حَقّٞ وَٱسۡتَغۡفِرۡ لِذَنۢبِكَ وَسَبِّحۡ بِحَمۡدِ رَبِّكَ بِٱلۡعَشِيِّ وَٱلۡإِبۡكَارِ”- غافر: ٥٥-.
الآية الرابعة: وهي تنبّأ بالانقلاب على مشروع الرسول ومشروع الإسلام، وهو الإمامة المعصومة،وهو إحدى النعم الّتي قوبلت بالجحود والكفران، قال الله سبحانه: “وَمَا مُحَمَّدٌ إِلَّا رَسُولٞ قَدۡ خَلَتۡ مِن قَبۡلِهِ ٱلرُّسُلُۚأَفَإِيْن مَّاتَ أَوۡ قُتِلَ ٱنقَلَبۡتُمۡ عَلَىٰٓ أَعۡقَابِكُمۡۚ وَمَن يَنقَلِبۡ عَلَىٰ عَقِبَيۡهِ فَلَن يَضُرَّ ٱللَّهَ شَيۡـٔٗاۚ وَسَيَجۡزِي ٱللَّهُٱلشَّاكِرِينَ”- آل عمران: ١٤٤-، وفي كتاب الإرشاد- ١: ١٨٦، ١٨٧- للشيخ المفيد (رضي الله عنه)أنّه: [لمّا] ثقل (عليه السلام) وحضره الموت، وأمير المؤمنين (عليه السلام) حاضر عنده، فلما قرب خروج نفسه قال له: (ضع رأسي يا علي في حجرك، فقد جاء أمر الله (عزّ وجلّ)، فإذا فاضت نفسي فتناولها بيدك وامسح بها وجهك، ثم وجّهني إلى القبلة، وتولّ أمري وصل عليّ أول الناس، ولا تفارقني حتى تواريني في رمسي، واستعن باللهتعالى، فأخذ علي (عليه السلام) رأسه فوضعه في حجره فأغمي عليه، فأكبت فاطمة (عليها السلام) تنظر في وجهه وتندبه وتبكي وتقول: وأبيض يستسقى الغمام بوجهه * ثمال (ربيع) اليتامى عصمة للأرامل، ففتح رسول الله (صلّى الله عليه وآله) عينيه وقال بصوت ضئيل: (يا بنية، هذا قول عمّك أبي طالب، لا تقوليه، [يعني: أنّ المقام ليس مقام هذا القول]، ولكن قولي: “وَمَا مُحَمَّدٌ إِلَّا رَسُولٞ قَدۡ خَلَتۡ مِن قَبۡلِهِ ٱلرُّسُلُۚ أَفَإِيْن مَّاتَ أَوۡ قُتِلَ ٱنقَلَبۡتُمۡعَلَىٰٓ أَعۡقَابِكُمۡۚ”، فبكت طويلا فأومأ إليها بالدنو منه، فدنت فأسر إليها شيئا تهلل له وجهها.
وبعهدتك- أيّها المسلم المتنوّر- بعد هذا الّذي نبّأنا الله به من أمر الانقلاب على الأعقاب أن تعرف حقّانية أو زيف ما صارت إليه الأمّة بعد رحيل رسول الله (صلّى الله عليه وآله)، ثمّ إنّ من لم يبدّلوا ولم يغيّروا سيجزيهم الله بالحسنى لقاء شكرهم.
اللهم صل على محمد وآله، واغفر لنا ولجميع المؤمنين والمؤمنات، وتب علينا إنّك أنت التوّاب الرحيم، اللهم إنّا نحبّ محمّداً وآل محمد فاحشرنا معهم، اللهم إنّانحبّ عمل محمّد وآل محمّد فأشركنا في عملهم، وأحينا محياهم، وأمتنا مماتهم، وتوفّنا على ملّتهم ودينهم، اللهم أرنا في آل محمّد (عليهم السلام) ما يأمَلون، وفي عدوّهم ما يحذرون، اللهم انصر من نصر الدين، واخذل من خذل الدين، وأحلل غضبك بالقوم الظالمين.
ثم إن أحسن القصص وأبلغ الموعظة وأنفع التذكّر كتاب الله (عزّ وجلّ). أعوذ بالله من الشيطان الرجيم بسم الله الرحمن الرحيم – إِذَا جَآءَ نَصۡرُ ٱللَّهِ وَٱلۡفَتۡحُ – وَرَأَيۡتَ ٱلنَّاسَيَدۡخُلُونَ فِي دِينِ ٱللَّهِ أَفۡوَاجٗا – فَسَبِّحۡ بِحَمۡدِ رَبِّكَ وَٱسۡتَغۡفِرۡهُۚ إِنَّهُۥ كَانَ تَوَّابَۢا.
……………………………………………………………………
الخطبة الثانية
“الحمد لله الأول فلا شيء قبله. والآخر فلا شيء بعده. والظاهر فلا شيء فوقه. والباطن فلا شيء دونه “. وأشهد ألا إله إلا الله وحده لا شريك له “قَآئِمَۢابِٱلۡقِسۡطِۚ لَآ إِلَٰهَ إِلَّا هُوَ ٱلۡعَزِيزُ ٱلۡحَكِيمُ”، وأشهد أنّ محمّداً عبده ورسوله (صلّى الله عليه وآله وجزاه أفضل ما جزى نبيّه عن أمّته).
عباد الله أوصيكم ونفسي بتقوى الله، “واعلموا أنه من يتق الله يجعل له مخرجا من الفتن ونورا من الظلم، ويخلّده فيما اشتهت نفسه، وينزله منزل الكرامة عنده. في دار اصطنعها لنفسه. ظلّها عرشه. ونورها بهجته. وزوّارها ملائكته. ورفقاؤها رسله”.
اللهم صلّ على محمد خاتم النبيّين والمرسلينالصادق الأمين، وعلى عَليٍّ أميرِ المُؤمِنينَ وَوَصيِّ رَسولِ رَبِّ العالَمينَ وعَلى الصِّدّيقَةِ الطَّاهِرَةِ فِاطِمَةَ سَيِّدَةِ نِساءِ العالَمينَ، وَصَلِّ عَلى سِبطَي الرَّحمَةِ وَإمامَي الهُدى الحَسَنِ وَالحُسَينِ، وَصَلِّ عَلى أئِمَّةِ المُسلِمينَ عَليِّ بنِ الحُسَينِ وَمُحَمَّدِ بنِ عَليٍّ وَجَعفَرِ بنِ مُحَمَّدٍ وَموسى بنِ جَعفَرٍ وَعَليِّ بنِ موسى وَمُحَمَّدِ بنِ عَليٍّ وَعَليِّ بنِ مُحَمَّدٍ وَالحَسَنِ بنِ عَليٍّ وَالخَلَفِ الهادي المَهدي، حُجَجِكَ عَلى عِبادِكَ وَاُمَنائِكَ في بِلادِكِ صَلاةً كَثيرَةً دائِمَة. اللهُمَّ وَصَلِّ عَلى وَليِّ أمرِكِ القائِمِ المُؤَمَّلِ وَالعَدلِ المُنتَظَرِوَحُفَّهُ بِمَلائِكَتِكَ المُقَرَّبينَ وَأيِّدهُ بِروحِ القُدُسِ يا رَبَّ العالَمينَ,اللهم واحفظ وسدّد وأيّد نوّابه بالحقّ، والفقهاء العدول، والعلماء العاملين.
أمّا بعد أيّها الملأ الكريم من المؤمنين والمؤمناتفالحديث في هذا المقام في عناوين:
العنوان الأوّل: إلا المصلّين:
يلجأ من ضاق صدره أو اغتمّ من أمر إلى التنفيس عن ذلك بالبكاء أو إظهار الغضب أو الخلود إلى النوم وما شاكل ذلك. وهذه ومُشاكلاتهاوإن أعطت شعوراً بالراحة أو الخلاص من الشحنات السالبة إلا أنّه وبرسم المعايشة أو السَماع من قبيل النار تحت الرماد، هذا من جهة. ومن جهة أخرى فقد فتح الوحي علينا باباً للخلاص من الغمّ وضيق الصدر، والوحي أوثق طرق المعرفة، والباب الّذي أوقفنا عليه وعرّفنا به هو ذكر الله وتسبيحه وتحميده والتواضع لعظمته بالسجود له وبعبادته والمداومة عليها، قال الله سبحانه: “ٱلَّذِينَ ءَامَنُواْ وَتَطۡمَئِنُّ قُلُوبُهُم بِذِكۡرِ ٱللَّهِۗ أَلَا بِذِكۡرِ ٱللَّهِ تَطۡمَئِنُّ ٱلۡقُلُوبُ”- الرعد: ٢٨-، وقال سبحانه: “”وَلَقَدۡ نَعۡلَمُ أَنَّكَ يَضِيقُ صَدۡرُكَ بِمَا يَقُولُونَ – فَسَبِّحۡ بِحَمۡدِ رَبِّكَ وَكُن مِّنَ ٱلسَّاجِدِينَ – وَٱعۡبُدۡ رَبَّكَ حَتَّىٰ يَأۡتِيَكَٱلۡيَقِينُ”- الحجر: ٩٧- ٩٩-، وقال سبحانه: “إِنَّ ٱلۡإِنسَٰنَ خُلِقَ هَلُوعًا – إِذَا مَسَّهُ ٱلشَّرُّ جَزُوعٗا – وَإِذَا مَسَّهُ ٱلۡخَيۡرُ مَنُوعًا – إِلَّا ٱلۡمُصَلِّينَ – ٱلَّذِينَ هُمۡ عَلَىٰ صَلَاتِهِمۡ دَآئِمُونَ”- المعارج: ١٩- ٢٣-، فالصلاة هي التي تحفظ للإنسان توازنه، وهي الّتي تفرّغ منه شحنات الهلع، وهي الّتي تجنّبه نوبات الجزع.
العنوان الثاني: أشهد أنّك قد أقمت الصلاة:
قيل بأنّ سيّد الشهداء (صلوات الله عليه) ضحّى بنفسه من أجل الصلاة، وسواء صحّت هذه الكلمة، ولو لأنّه أراد بجهاده إحياء الدين وإعلاء كلمة الله، والصلاة عمود الدين، أم لم تصحّ، إلا أنّ عدم صحّتها لا يعني جواز الاستخفاف والتهاون بأمر الصلاة فضلاً عن جواز تركها؛ فإنّ الصلوات اليوميّة كتاب موقوت مفروض، ومما بني عليها الإسلام، ولا يشفع في تركها ما سواها، ثمّ ها هو المؤمن إذا زار الحسين (صلوات الله عليه) وأخذ في السلام عليه يقول في زيارته له: (أشهد أنّك قد أقمت الصلاة)، فما الّذي يقعد به عن اتّخاذه قدوةً في إقامة الصلاة والمداومة والمحافظة عليها، وقد روى ثقة الإسلام الكلينيّ (رضي الله عنه) في الكافي الشريف- ٢: ٧٣- بسند معتبر عن محمد بن مسلم ، عن أبي جعفر (عليه السلام) قال: لا تذهب بكم المذاهب فوالله ما شيعتنا إلا من أطاع الله عز وجل. وفي الكافي أيضاً بسنده عن جابر عن أبي جعفر (عليه السلام) قال: قال لي: يا جابر أيكتفي من ينتحل التشيع أن يقول بحبّنا أهل البيت، فوالله ما شيعتنا إلا من اتقى الله وأطاعه- إلى أن قال- يا جابر لا تذهبن بك المذاهب حسب الرجل أن يقول: أحبّ عليّاً وأتولّاه ثم لا يكون مع ذلك فعّالا؟! فلو قال: إنّي أحبّ رسول الله فرسول الله (صلّى الله عليه وآله) خير من عليّ (عليه السلام) ثمّ لا يتّبع سيرته ولا يعمل بسنّته ما نفعه حبّه إياه شيئا، فاتقوا الله واعملوا لما عند الله، ليس بين الله وبين أحد قرابة، أحب العباد إلى الله عز وجل [وأكرمهم عليه] أتقاهم وأعملهم بطاعته..
العنوان الثالث: زيارة الأربعين.. الحدث الكبير:
زحفٌ إيمانيّ بالملايين من العراق وخارجه إلى كربلاء الحسين (عليه السلام) لتجديد مبايعته على ولايته ونصرته بنصرة ما ضحّى من أجله. وهو حدث عالميّ وكبير أوصل رسالته إلى العالم بأسره، وإن تعامت عنه وسائل الإعلام إلا من رحم الله، وقد أصحرت بذلك عن عدم مَهَنيتها الّتيتتشدّق بها. ولا غرابة في تجاهلها لهذا الحدث بعد أن أسسّت على أجندات تتقاطع مع رسالة الحدث الّذي أغمّهم مثلما أغتمهم، وبهذا تقف على مبلغ بُعد ذلك الإعلام ومن يرعاه عن الحسين (عليه السلام) وعمّا خطّه وترسّمه وإن تظاهر بحبّه ومودّته، هذا.
وينبغي لأهل الإيمان التهافت لاستقبال زوّار الحسين(صلوات الله عليه) والاحتفاء بهم وتجليلهم، والاقتباس من نورهم، قال العلامة المجلسيّ (رضي الله عنه) في البحار- ٩٩: ٣٠٢-: روي في بعض مؤلفات أصحابنا (رحمهم الله تعالى) عن معلّى بن خنيس قال: سمعت أبا عبد الله (عليه السلام) يقول: “إذا انصرف الرجل من إخوانكم من زيارتنا أو زيارة قبورنا فاستقبلوه، وسلموا عليه، وهنؤوه بما وهب الله له، فإنّ لكم مثل ثوابه، ويغشاكم ثواب مثل ثوابه، من رحمة الله، وإنه مامن رجل يزورنا أو يزور قبورنا إلا غشيته الرحمة وغفرت له ذنوبه. “
اللهم صلّ على محمّد وآل محمّد، واغفر لنا ولآبائنا ولأمهاتنا ولمن له حقّ علينا ولجميع المؤمنين والمؤمنات، وتجاوز عنّا، وهب لنا رحمة واسعة جامعة نبلغ بها خير الدنيا والآخرة، إله الحقّ وخالق الخلق.
“إِنَّ ٱللَّهَ يَأۡمُرُ بِٱلۡعَدۡلِ وَٱلۡإِحۡسَٰنِ وَإِيتَآيِٕ ذِي ٱلۡقُرۡبَىٰوَيَنۡهَىٰ عَنِ ٱلۡفَحۡشَآءِ وَٱلۡمُنكَرِ وَٱلۡبَغۡيِۚ يَعِظُكُمۡ لَعَلَّكُمۡ تَذَكَّرُونَ”.

