خطبة الجمعة للشيخ علي الصددي 02/ 01/ 1445هـ الموافق 21 يوليو 2023م / جامع الإمام الصادق(ع) – الدراز
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
الخطبة الأولى:
أعوذ بالله السميع العليم من الشيطان الغوي الرجيم ..
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله أحق من خشي وحمد وأفضل من اتقي وعبد وأولى من عظم ومجد نحمده لعظيم غنائه، وجزيل عطائه، وتظاهر نعمائه، وحسن بلائه، ونؤمن بهداه الذي لا يخبو ضياؤه ولا يتمهد سناؤه ولا يوهن عراه ونعوذ بالله من سوء كلّ الرِيَب وظُلَم الفتن، ونستغفره من مكاسب الذنوب، ونستعصمه من مساوىء الأعمال ومكاره الآمال، والهجوم في الأهوال، ومشاركة أهل الرَيْب، والرضا بما يعمل الفجّار في الأرض بغير الحقّ.
وأشهد أن لا إله إلا الله، لا إله غيره، ولا شبيه له، ولا نظير له، وأنّه مثبت قديم، موجود غير فقيد، وأنّه ليس كمثله شيء. وأشهد أنّ محمّداً عبده ورسوله أرسله بالهدى ودين الحق ليظهره على الدين كله ولو كره المشركون وأنف المبطلون وجعله رحمة للعالمين بشيرا ونذيرا وداعيا إلى الله بإذنه وسراجا منيرا من يطع الله ورسوله فقد رشد ومن يعصهما فقد غوى.
أيّها المؤمنون والمؤمنات أوصيكم ونفسي بتقوى الله الّذي هو شديد المحال، وأخذه أليم شديد، ولا يقوم لغضبه السماوات والأرض.
أمّا بعد، أيّها الملأ المؤمن الكريم فالحديث في هذا المقام في عنوانين:
العنوان الأوّل: (القول منّا قولك): وهو تتمّة لحديث الجمعة السابقة.
فقد أسلفنا القول بأنّه كما تلزم طاعة الله سبحانه، وطاعة رسوله (صلّى الله عليه وآله)، والّتي هي من طاعة الله- كذلك تلزم طاعة أوصياء رسول الله (صلوات الله عليهم) بإلزام الله بها، فيلزمنا أن نأخذ عنهم وننتهي إليهم وندين الله بما دانوا به.
وممّا ألزمنا به أوصياء رسول الله (صلوات الله عليهم) هو تعيّن الرجوع إلى الفقهاء والأخذ عنهم والانتهاء إليهم، وهم الّذين- كما يصدِرون عن كتاب الله سبحانه- يصدِرون عن أحاديثهم ويستمدّون منها- ففي التوقيع الشريف المعتبر صدوره عن صاحب الأمر (عليه السلام، وعجّل الله فرجه)- على ما بُيّن في محلّه-: “وأما الحوادث الواقعة فارجعوا فيها إلى رواة حديثنا فإنّهم حجّتي عليكم وأنا حجّة الله عليهم أو عليكم”، وقد جاءت صفتهم على لسان أبي محمّد العسكري (صلوات الله عليه)- كما في تفسيره وفي كتاب (الاحتجاج) للطبرسيّ (رضي الله عنه): “فأمّا من كان من الفقهاء صائناً لنفسه، حافظاً لدينه، مخالفاً على هواه، مطيعاً لأمر مولاه، فللعوامّ أن يقلّدوه”، فرجوعنا إلى من نصبهم (صلوات الله عليه) وطاعتنا لهم هي بعينها طاعة له، فلا يسع أحداً منّا إلا أن يأخذ عنهم، كما لا يسعه الأخذ عن غيرهم، وأنّ الإرجاع إلى الفقهاء العدول من قبل الصاحب وآبائه (صلوات الله عليهم) بمثابة إرجاع الأمّة من قبل النبيّ (صلّى الله عليه وآله) إلى أمير المؤمنين(عليه السلام)، بقوله (صلّى الله عليه وآله): ” أنا مدينة العلم، وعليّ بابها، فمن أراد المدينة فليأتها من بابها”، فقد أوصد النبيّ (صلّى الله عليه وآله) به باب الرجوع إلى غير الأمير (صلوات الله عليه)،فيعود الرجوع إلى غيره من إتيان البيوت من غير أبوابها. إذن فالأخذ عن غير الفقهاء العدول فيما يتعيّن الرجوع فيه إليهم انحراف وضلال عن مذهب أهل البيت (صلوات الله عليهم).
ومن الطاعة اللازمة للصاحب (عليه السلام، وعجّل الله فرجه) هو الأخذ بقوله في تزييفه لدعاوى السفارة والنيابة الخاصّتين عنه (صلوات الله عليه) بقوله في التوقيع الشريف المعتبر صدوره فقد روى رئيس المحدّثين الشيخ الصدوق (رضي الله عنه) في كتابه (إكمال الدين وإتمام النعمة) بإسناده عن السفير الرابع علي بن محمد السمري (رضي الله عنه) قبل وفاته بأيام، وقد أخرج إلى الناس توقيعا نسخته: “بسم الله الرحمن الرحيم يا علي بن محمد السمري أعظم الله أجر إخوانك فيك؛ فإنّك ميّت ما بينك وبين ستة أيام، فاجمع أمرك ولا توص إلى أحد يقوم مقامك بعد وفاتك، فقد وقعت الغيبة الثانية (التامّة)، فلا ظهور إلا بعد إذن الله (عزّ وجلّ)، وذلك بعد طول الأمد وقسوة القلوب، وامتلاء الأرض جورا، وسيأتي شيعتي من يدّعي المشاهدة، ألا فمن ادّعى المشاهدة قبل خروج السفياني والصيحة فهو كاذب مفتر، ولا حول ولا قوّة إلا بالله العليّ العظيم”.
قال [راوي التوقيع]: فنسخنا هذا التوقيع وخرجنا من عنده، فلما كان اليوم السادس عدنا إليه وهو يجود بنفسه، فقيل له: من وصيّك من بعدك؟ فقال: لله أمر هو بالغه. ومضى (رضي الله عنه)، فهذا آخر كلام سمع منه. فيلزمنا أن نسجّل الكذب والافتراء على أدعياء السفارة قبل اتفاق حصول العلامتين، وهما: خروج السفياني والصيحة، ويلزمنا أن نعقد قلوبنا على تكذيبهم ما دمنا قد عاهدناه (صلوات الله عليه) بأنّ القول منّا قوله.
العنوان الثاني: “الحسين.. سفينة نجاة”:
يقول الله سبحانه: “وَأُوحِيَ إِلَىٰ نُوحٍ أَنَّهُۥ لَن يُؤۡمِنَ مِن قَوۡمِكَ إِلَّا مَن قَدۡ ءَامَنَ فَلَا تَبۡتَئِسۡ بِمَا كَانُواْ يَفۡعَلُونَ :: وَٱصۡنَعِ ٱلۡفُلۡكَ بِأَعۡيُنِنَا وَوَحۡيِنَا وَلَا تُخَاطِبۡنِي فِي ٱلَّذِينَ ظَلَمُوٓاْ إِنَّهُم مُّغۡرَقُونَ- إلى أن قال سبحانه- حَتَّىٰٓ إِذَا جَآءَ أَمۡرُنَا وَفَارَ ٱلتَّنُّورُ قُلۡنَا ٱحۡمِلۡ فِيهَا مِن كُلٍّ زَوۡجَيۡنِ ٱثۡنَيۡنِ وَأَهۡلَكَ إِلَّا مَن سَبَقَ عَلَيۡهِ ٱلۡقَوۡلُ وَمَنۡ ءَامَنَۚ وَمَآ ءَامَنَ مَعَهُۥٓ إِلَّا قَلِيلٞ :: وَقَالَ ٱرۡكَبُواْ فِيهَا بِسۡمِ ٱللَّهِ مَجۡرٜاهَا وَمُرۡسَاهَآۚ إِنَّ رَبِّي لَغَفُورٞ رَّحِيمٞ :: وَهِيَ تَجۡرِي بِهِمۡ فِي مَوۡجٖ كَٱلۡجِبَالِ وَنَادَىٰ نُوحٌ ٱبۡنَهُۥ وَكَانَ فِي مَعۡزِلٖ يَابُنَيَّ ٱرۡكَب مَّعَنَا وَلَا تَكُن مَّعَ ٱلۡكَافِرِينَ :: قَالَ سَـَٔاوِيٓ إِلَىٰ جَبَلٖ يَعۡصِمُنِي مِنَ ٱلۡمَآءِۚ قَالَ لَا عَاصِمَ ٱلۡيَوۡمَ مِنۡ أَمۡرِ ٱللَّهِ إِلَّا مَن رَّحِمَۚ وَحَالَ بَيۡنَهُمَا ٱلۡمَوۡجُ فَكَانَ مِنَ ٱلۡمُغۡرَقِينَ”- هود: ٣٦، ٣٧، ٤٠- ٤٣-.
وهنا نقاط ثلاث:
النقطة الأولى: أنّ من لم يركب السفينة مغرق وهالك، ولا مجال للمراجعة بشأن هلاك من لم يركب، كما قال سبحانه: (وَلَا تُخَاطِبۡنِي فِي ٱلَّذِينَ ظَلَمُوٓاْ إِنَّهُم مُّغۡرَقُونَ).
النقطة الثانية: إنّ ركوب السفينة من عدمه أمر اختياريّ، فإنّ نوحاً (عليه السلام) عرض على قومه أجمعين ركوب السفينة، قال الله سبحانه على لسانه (عليه السلام): (وَقَالَ ٱرۡكَبُواْ فِيهَا بِسۡمِ ٱللَّهِ مَجۡرٜاهَا وَمُرۡسَاهَآۚ..)،فهلاك من لم يركب مسبّب عن أمر اختياريّ لهم.
النقطة الثالثة: إنّ الماء الّذي كانت السفينة تجري فيه كان طامياً وكان ذا موج عال جدّاً، كما قال سبحانه: (وَهِيَ تَجۡرِي بِهِمۡ فِي مَوۡجٖ كَٱلۡجِبَال..)، بحيث لا عاصم من دون السفينة لأحدٍ من الغرق ولو كان جبلاً، قال سبحانه على لسان ابن نوح: (قَالَ سَـَٔاوِيٓ إِلَىٰ جَبَلٖ يَعۡصِمُنِي مِنَ ٱلۡمَآءِۚ قَالَ لَا عَاصِمَ ٱلۡيَوۡمَ مِنۡ أَمۡرِ ٱللَّهِ إِلَّا مَن رَّحِمَۚ..)، فلا عاصم إلا السفينة، ومن لم يركبها فمصيره الحتميّ هو الغرق والهلاك، هذا.
وقد شبّه رسول الله (صلّى الله عليه وآله) أهل بيته في أمّته واتّباعهم والأخذ عنهم بسفينة نوح، وقد رواه الفريقان عنه (صلّى الله عليه وآله)، فمن ذلك ما رواه الطبرانيّ في معجمه بسنده عن أبي سعيد الخدريّ قال: سمعت رسول الله (صلى الله عليه وآله) يقول: (إنما مثل أهل بيتي فيكم كمثل سفينة نوح من ركبها نجا، ومن تخلّف عنها غرق).
وروى الحاكم في المستدرك- وحكم بصحّته- عن أبي ذر، وهو آخذ بباب الكعبة، قال: من عرفني فقد عرفني، ومن أنكرني فأنا أبو ذر، سمعت النبي (صلى الله عليه وآله) يقول: (ألا إنّ مثل أهل بيتي فيكم مثل سفينة نوح، من ركبها نجا، ومن تخلّف عنها هلك).
ونقرأ في الصلوات الشعبانية: “اللهُمَّ صَلِّ عَلى مُحَمَّدٍ وَآلِ مُحَمَّدٍ الفُلكِ الجاريَةِ في اللُّجَجِ الغامرّة، يأمَنُ مَن رَكِبَها، وَيَغرَقُ مَن تَرَكَها، المُتَقَدِّمُ لَهُم مارِقٌ، وَالمُتَأخِرُ عَنهُم زاهِقٌ، وَاللازِمُ لَهُم لاحِقٌ”.
ومن شعر الإمام الشافعيّ في هذا المعنى:
ولما رأيت الناس قد ذهبت بهم * مذاهبهم في أبحر الغيّ والجهل
ركبت على اسم الله في سفن النجا * وهم أهل بيت المصطفى خاتم الرسل
وأمسكت حبل الله وهو ولاؤهم * كما قد أمرنا بالتمسّك بالحبل.
فالنجاة من الهلاك والضلال ومن النار إنّما هو بركوب سفينتهم والأخذ عنهم، وبوسع أيّ أحد أن يركب سفينتهم، وهو أمر متاح له، ولا نجاة إلا بركوب سفينتهم؛ فإنّ لجج الضلالة والتِيه والفتنة عن دين الله لا يمكن النجاة منها إلا بركوب سفينتهم- كما نصّ على ذلك رسول الله (صلّى الله عليه وآله)-، هذا وقد جاء في الحسين (عليه السلام) بالخصوص أنّه سفينة نجاة، وقد أسلفنا الرواية في الجمعة السابقة، ونعيدها تيمّناً، فقد روى الشيخ الصدوق (رضي الله عنه) في كتابيه: (عيون أخبار الرضا “عليه السلام”)، و(إكمال الدين وإتمام النعمة)- واللفظ للأوّل- بسنده عن الإمام أبي جعفر محمّد بن عليّ الجواد عن آبائه (عليهم السلام) عن سيّد الشهداء (عليه السلام) قال: دخلت على رسول الله (صلّى الله عليه وآله) وعنده أُبيّ بن كعب، فقال لي رسول الله (ص): “مرحبا بك يا أبا عبد الله، يا زين السماوات والأرضين”، قال له أُبيّ: وكيف يكون- يا رسول الله- زين السماوات والأرضين أحد غيرك؟ قال: “يا أُبيّ، والذي بعثني بالحق نبيّا إنّ الحسين بن علي في السماء أكبر منه في الأرض، وإنّه لمكتوب عن يمين عرش الله (عزّ وجلّ): مصباح هدى (هاد)، وسفينة نجاة، وإمام خير ويمن وعزّ وفخر وعلم وذخر أو وبحرُ علم وذخر، فلم لا يكون كذلك؟!- كما في الإكمال-..”.
ولهذه السفينة خصائص يسعنا تصيّدها- وإن كانت عصيّة على الحصر-، وقد وافتنا أخبار المعصومين (صلوات الله عليهم) بشطر منها:
فمنها ما جاء في فضل زيارة قبره (عليه السلام):
ففي كتاب (كامل الزيارات) للشيخ الأقدم ابن قولويه (رحمه الله) بسنده عن محمد البصري، عن أبي عبد الله (عليه السلام)، قال: سمعت أبي يقول لرجل من مواليه وسأله عن الزيارة، فقال له: من تزور ومن تريد به؟، قال: الله تبارك وتعالى، فقال: “من صلى خلفه صلاة واحدة يريد بها الله لقي الله يوم يلقاه وعليه من النور ما يغشي له كل شئ يراه، والله يكرم زواره ويمنع النار ان تنال منهم شيئا، وان الزائر له لا يتناهى له دون الحوض، وأمير المؤمنين (عليه السلام) قائم على الحوض يصافحه ويرويه من الماء، وما يسبقه أحد إلى وروده الحوض حتى يروي، ثم ينصرف إلى منزله من الجنة، ومعه ملك من قبل أمير المؤمنين يأمر الصراط ان يذل له، ويأمر النار ان لا يصيبه من لفحها شئ حتى يجوزها، ومعه رسوله الذي بعثه أمير المؤمنين (عليه السلام)”.
وفي كتاب (كامل الزيارات) أيضاً بسند معتبر عن محمد بن مسلم، عن أبي جعفر (عليه السلام)، قال: “لو يعلم الناس ما في زيارة الحسين (عليه السلام) من الفضل لماتوا شوقا وتقطعت أنفسهم عليه حسرات”، قلت: وما فيه؟، قال: “من أتاه تشوقا كتب الله له الف حجة متقبلة والف عمرة مبرورة واجر الف شهيد من شهداء بدر واجر الف صائم، وثواب الف صدقة مقبولة وثواب الف نسمة أريد بها وجه الله، ولم يزل محفوظا سنته من كل آفة أهونها الشيطان، ووكل به ملك كريم يحفظه من بين يديه ومن خلفه، وعن يمينه وعن شماله، ومن فوق رأسه ومن تحت قدمه
فان مات سنته حضرته ملائكة الرحمة يحضرون غسله واكفانه والاستغفار له، ويشيعونه إلى قبره بالاستغفار له، ويفسح له في قبره مد بصره، ويؤمنه الله من ضغطة القبر ومن منكر ونكير ان يروعانه، ويفتح له باب إلى الجنة، ويعطى كتابه بيمينه، ويعطى له يوم القيامة نورا يضئ لنوره ما بين المشرق والمغرب، وينادي مناد: هذا من زوار الحسين شوقا إليه، فلا يبقى أحد يوم القيامة الا تمنى يومئذ انه كان من زوار الحسين (عليه السلام)”.
وقد ورد مستفيضاً أنّ من زار قبره كمن زار الله في عرشه، وورد مستفيضاً أيضاً أنّ من أتى قبره (عليه السلام) كتبه الله في عليين.
ومنها ما جاء في فضل من أنشد في الحسين (عليه السلام) شعرا فبكى وأبكى”
ففي كتاب (كامل الزيارات) أيضاً بسند معتبر عن أبي هارون المكفوف، قال: قال أبو عبد الله (عليه السلام): يا أبا هارون أنشدني في الحسين (عليه السلام)، قال: فأنشدته، فبكى، فقال: أنشدني كما تنشدون – يعني بالرقة – قال: فأنشدته:
أمرر على جدث الحسين * فقل لأعظمه الزكية
قال: فبكى، ثم قال: زدني، قال: فأنشدته القصيدة الأخرى، قال: فبكى، وسمعت البكاء من خلف الستر،قال: فلما فرغت قال لي: (يا أبا هارون من أنشد في الحسين (عليه السلام) شعرا فبكى وأبكى عشرا كتبت له الجنة، ومن أنشد في الحسين شعرا فبكى وأبكى خمسة كتبت له الجنة، ومن أنشد في الحسين شعرا فبكى وأبكى واحدا كتبت لهما الجنة، ومن ذُكر الحسين (عليه السلام) عنده فخرج من عينه من الدموع مقدار جناح ذباب كان ثوابه على الله ولم يرض له بدون الجنة).
ومنها ما جاء في فضل وثواب البكاء عليه (صلوات الله عليه)
ففي كتاب (كامل الزيارات) أيضاً بسند معتبر عن محمد بن مسلم، عن أبي جعفر (عليه السلام)، قال: كان علي بن الحسين (عليهما السلام) يقول: ( أيما مؤمن دمعت عيناه لقتل الحسين بن علي (عليهما السلام) دمعة حتى تسيل على خده بوأه الله بها في الجنة غرفا يسكنها أحقابا، وأيما مؤمن دمعت عيناه حتى تسيل على خده فينا لاذي مسنا من عدونا في الدنيا بوأه الله بها في الجنة مبوأ صدق، وأيما مؤمن مسه أذى فينا فدمعت عيناه حتى تسيل على خده من مضاضة ما أوذي فينا صرف الله، عن وجهه الأذى وآمنه يوم القيامة من سخطه والنار).
ومنها ما جاء في فضل وثواب من شرب الماء وذكر الحسين (عليه السلام) ولعن قاتله:
ففي كتاب (كامل الزيارات) بسنديه عن داود الرقي، قال: كنت عند أبي عبد الله (عليه السلام) إذا استسقى الماء، فلما شربه رأيته قد استعبر واغرورقت عيناه بدموعه، ثم قال لي: يا داود لعن الله قاتل الحسين (عليه السلام)، فما من عبد شرب الماء فذكر الحسين (عليه السلام) ولعن قاتله الا كتب الله له مائة الف حسنة، وحط عنه مائة الف سيئة، ورفع له مائة الف درجة، وكأنما أعتق مائة الف نسمة، وحشره الله تعالى يوم القيامة ثلج الفؤاد.
ولذلك ذكر الشيخ جعفر التستريّ (رضوان الله عليه) في كتابه (الخصائص الحسينية) ما هذا نصّه: (إنّي أمعنتُ النّظَر في الوسائلِ المُتعلّقةِ بالأئمّةِ (عليهم السّلام), فرأيتُ أجلّها فائدةً, وأعظمَها مثوبةً, وأعمَّها نفعاً, وأرفعَها درجةً, وأسهلَها حصولاً, وأكثرَها طُرقاً, وأيسرَها شروطاً, وأخفّها مؤونةً, وأعمّها معونةً, ما يتعلّقُ بسيّدِ شبابِ أهلِ الجنّةِ، ووالدِ الأئمّةِ السّيّدِ المظلومِ أبي عبدِ اللهِ الحُسينِ (عليه السّلام)- إلى أن يقول (رضوان الله عليه)- فرأيت في الحسين (ع) خصوصية في الوسيلة إلى الله اتصف بسببها بأنه بالخصوص باب من أبواب الجنة, وسفينة للنجاة ومصباح للهدى. فالنبي (ص) والأئمة (ع) كلهم أبواب الجنان , لكن باب الحسين أوسع. وكلهم سفن النجاة ولكن سفينة الحسين مجراها في اللجج الغامرة أسرع, ومرساها على السواحل المنجية أيسر. وكلهم مصابيح الهدى, لكن الاستضاءة بنور الحسين أكثر وأوسع. وكلهم كهوف حصينة, لكن منهاج كهف الحسين اسمح وأسهل).
اللهم صل على محمد وآله، واغفر لنا ولجميع المؤمنين والمؤمنات، وتب علينا إنّك أنت التوّاب الرحيم، اللهم إنّا نحبّ محمّداً وآل محمد فاحشرنا معهم، اللهم إنّانحبّ عمل محمّد وآل محمّد فأشركنا في عملهم، اللهم أرنا في آل محمّد (عليهم السلام) ما يأمَلون، وفي عدوّهم ما يحذرون، اللهم انصر من نصر الدين، واخذل من خذل الدين، وأحلل غضبك بالقوم الظالمين.
ثم إن أحسن القصص وأبلغ الموعظة وأنفع التذكّر كتاب الله (عزّ وجلّ). أعوذ بالله من الشيطان الرجيم بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ قُلۡ هُوَ ٱللَّهُ أَحَدٌ (1) ٱللَّهُٱلصَّمَدُ (2) لَمۡ يَلِدۡ وَلَمۡ يُولَدۡ(3) وَلَمۡ يَكُن لَّهُۥ كُفُوًا أَحَدُۢ (4)”
……………………………………………………………………
الخطبة الثانية
الحمد لله المختص بالتوحيد، المتقدم بالوعيد، الفعال لما يريد، المحتجب بالنور دون خلقه، ذي الأفق الطامح، والعزّ الشامخ، والملك الباذخ، المعبود بالآلاء، رب الأرض والسماء، أحمده على حسن البلاء، وفضل العطاء، وسوابغ النعماء، وعلى ما يدفع ربنا من البلاء، حمدا يستهل له العباد، وينمو به البلاد.
أشهد أن “لا إله إلا الله وحده وحده، أنجز وعده، ونصر عبده، وأعز جنده، وغلب الأحزاب وحده، فله الملك وله الحمد، يحيى ويميت ويميت ويحيى وهو على كلّ شيء قدير” وأشهد أنّ محمّداً عبده ورسوله وصفوته وخيرته، وأَنَّه قَدْ نَصَح لاُمَّتِه، وَجاهَد في سَبيلِ رَبِّه، وَعَبَده حَتّى أَتاه اليَقينُ، صلّى الله عليه وآله، وجَزاه أَفضَلَ ماجَزى نَبيّاً عَن أُمَّتِه.
عباد الله وإماءه وأهل طاعته، “ٱتَّقُواْ ٱللَّهَ وَٱعۡلَمُوٓاْ أَنَّ ٱللَّهَ بِمَا تَعۡمَلُونَ بَصِير”، “وَٱعۡلَمُوٓاْ أَنَّكُم مُّلَٰقُوه”، “وَٱعۡلَمُوٓاْ أَنَّكُمۡ إِلَيۡهِ تُحۡشَرُون”، “وَٱعۡلَمُوٓاْ أَنَّ ٱللَّهَ شَدِيدُ ٱلۡعِقَابِ”.
اللهم صلّ على محمد خاتم النبيّين والمرسلينالصادق الأمين، وعلى عَليٍّ أميرِ المُؤمِنينَ وَوَصيِّ رَسولِ رَبِّ العالَمينَ وعَلى الصِّدّيقَةِ الطَّاهِرَةِ فِاطِمَةَ سَيِّدَةِ نِساءِ العالَمينَ، وَصَلِّ عَلى سِبطَي الرَّحمَةِ وَإمامَي الهُدى الحَسَنِ وَالحُسَينِ، وَصَلِّ عَلى أئِمَّةِ المُسلِمينَ عَليِّ بنِ الحُسَينِ وَمُحَمَّدِ بنِ عَليٍّ وَجَعفَرِ بنِ مُحَمَّدٍ وَموسى بنِ جَعفَرٍ وَعَليِّ بنِ موسى وَمُحَمَّدِ بنِ عَليٍّ وَعَليِّ بنِ مُحَمَّدٍ وَالحَسَنِ بنِ عَليٍّ وَالخَلَفِ الهادي المَهدي، حُجَجِكَ عَلى عِبادِكَ وَاُمَنائِكَ في بِلادِكِ صَلاةً كَثيرَةً دائِمَة. اللهُمَّ وَصَلِّ عَلى وَليِّ أمرِكِ القائِمِ المُؤَمَّلِ وَالعَدلِ المُنتَظَرِوَحُفَّهُ بِمَلائِكَتِكَ المُقَرَّبينَ وَأيِّدهُ بِروحِ القُدُسِ يا رَبَّ العالَمينَ,اللهم واحفظ وسدّد وأيّد نوّابه بالحقّ، والفقهاء العدول، والعلماء العاملين.
أمّا بعد أيّها الملأ الكريم من المؤمنين والمؤمنات فإلى عناوين :
العنوان الأوّل: الحسين يوحّدنا:
لموسم عاشوراء الحسين أهداف وغايات، ونجاحه الموسم مرهون بتحقيق أهدافه وبلوغ غاياته، ومن أهدافه الّتي لا يختلف فيها منّا اثنان هو بثّ الوعي وخلق البصيرة وصناعة الفكر، ولا ينبغي أن يفوتنا أن نتعرّف مبلغ ذلك من أنفسنا وبأنفسنا، وأن نحكّم معياراً نتلمّس من خلاله مستويات الوعي والبصيرة والفكر لدينا، ولا معيار أوضح وأبلغ في قياس ذلك من تعاطينا وتعاملنا ومعالجاتنا، فكلّما صنعت تقارباً وتآلفاً وأنتجت محبّة وأخوّة كلّما عكس حجم الوعي والبصيرة والفكر الّذي توفّرنا عليه، ولو كرّست خلافات وانتجت نزاعات وخلّفت حساسيات كان مؤشّراً على إفلاسنا فكراً ووعيّاً وبصيرة. وفي ضوء ما تقدّم نشدّد على ضرورة تجنيب الموسم في كافّة مساحاته ما يضرّ برسالته وأهدافه من مهاترات وتجاذبات وخلافات.
ونؤكّد على ضرورة أن نترسّم في هذا الموسم أنّ “الحسين يوحّدنا”، وأنّ وحدتنا إذا ما وجدت فالحسين هو سرّها، كما نؤكّد على نجاحنا ومداه إنّما يقاس لا بنجاح خصوص الموكل إليّ مسؤوليته مباشرة ما دام في وسعي أن أنجح غيره بتعاوني وتنسيقي بل بعدم وقوفي عند تجاوز الغير أو خطأه فيما إذا كان هذا الوقوف معطّلاً لما هو أهمّ وأولى بالمحافظة عليه.
العنوان الثاني: البطالة والمسؤول عن القضاء عليها:
ما عاد ملف البطالة أمراً تختلف الحكومة فيه مع من يطالب بحلحلته، فهي تعترف بأصل وجوده وبأرقامه، وبعد هذا ما الّذي تنتظره لتدفع باتجاه معالجته؟ فهل أنّ وصول أعداد العاطلين لما هو مؤرّق قياساً إلى عدد المواطنين ما عاد بعدُ غير مؤرق لها رغم أنّها المعنيّة بحلحلته؟ ولو أرادت الحكومة حلحلته بعد أن كانت هي المسؤولة فلماذا لا تبادر إلى حلحلته وإغلاقه من غير حاجة إلى مناشدات من الموطنين هنا وأخرى من النوّاب- مثلاً- هناك؟ ولماذا لا يكون هذا الملف على غرار بعض الملفّات الّتي تبادر بطرحه الحكومة لحلّه ولا تنتظر أن يطرحها النوّاب؟
العنوان الثالث: عنصريّة الكيان الصهيونيّ:
يمارس كيان الاحتلال الصهيوني سياسة التطهير العرقيّ وتهجير أصحاب الأرض وبمختلف وسائل وأدوات الإفساد من القتل والسجن والتنكيل وهدم المنازل وإتلاف الأشجار والمحاصيل والنفي والتشريد، فإن لم يكن الكيان الموقّت دولة عنصرية ودولة جريمة منظّمة- يا أدعياء حفظ ورعاية حقوق الإنسان- وهي تمارس كلّ ذلك بأبشع الصور وبصورة مفضوحة فلا وجود لدولة يؤخذ عليها بأنّها عنصرية، وهلمّوا لشرعنة تلكم الوسائل، ولمباركة الإرهاب والعنصرية، أو أنّ الحاكم هو سياسة الكيل بأكثر من مكيال القذرة والظالمة؟!
اللهم صلّ على محمّد وآل محمّد، واغفر لنا ولآبائنا ولأمهاتنا ولمن له حقّ علينا ولجميع المؤمنين والمؤمنات، وتجاوز عنّا، وهب لنا رحمة واسعة جامعة نبلغ بها خير الدنيا والآخرة، إله الحقّ وخالق الخلق.
“إِنَّ ٱللَّهَ يَأۡمُرُ بِٱلۡعَدۡلِ وَٱلۡإِحۡسَٰنِ وَإِيتَآيِٕ ذِي ٱلۡقُرۡبَىٰوَيَنۡهَىٰ عَنِ ٱلۡفَحۡشَآءِ وَٱلۡمُنكَرِ وَٱلۡبَغۡيِۚ يَعِظُكُمۡ لَعَلَّكُمۡ تَذَكَّرُونَ”.

