خطبة الجمعة للشيخ علي الصددي 23/03/ 1446هـ الموافق 27 سبتمبر 2024م جامع الإمام الصادق(ع) – الدراز
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
الخطبة الأولى:
أعوذ بالله السميع العليم من الشيطان الغوي الرجيم ..
بسم الله الرحمن الرحيم
“الحمد لله والحمد حقّه، كما يستحقّه حمداً كثيرا”، “والحَمدُ للهِ كُلَّما حَمِدَ اللهَ شيء، وَكَما يُحِبُّ اللهُ أن يُحمَدَ، وَكَما هُوَ أهلُهُ، وَكَما يَنبَغي لِكَرَمِ وَجهِهِ وَعِزِّ جَلالِهِ”.
وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أنّ محمّداً عبده ورسوله، أدّى ما حَمَّلهُ إلى العِبادِ، وَجاهَدَ في الله عَزَّ وَجلَّ حَقَّ الجِهادِ، وَأنَّهُ بَشَّرَ بِما هُوَ حَقٌ مِنَ الثَّوابِ، وَأنذَرَ بِما هُوَ صِدقٌ مِنَ العِقابِ- صلّى الله عليه وآله وسلّم كثيراً-
عباد الله وإماءه وأهل طاعته أوصيكم ونفسي بتقوى الله، فلا نأتي ما نهى عنه وزجر، وأن نأتي ما أمر كما رسم وبما فيه اعتبر، فننفقَ طيّباً لا خبيثا؛ فإنّه “إِنَّمَا يَتَقَبَّلُ ٱللَّهُ مِنَ ٱلۡمُتَّقِينَ”- المائدة: ٢٧-.
[الإنفاق وبعض شؤونه:]
أمّا بعد أيّها المؤمنون والمؤمنات فالحديث في هذا المقام حول الإنفاق والعطاء وبعض شؤونه:
فقد تنوّعت وتكثّرت الأوامر الإلهيّة والمعصوميّة الباعثة نحو الإنفاق والعطاء والصدقة والبرّ واصطناع المعروف وفعله، فمن ذلك قول الله سبحانه: “ءَامِنُواْ بِٱللَّهِ وَرَسُولِهِۦ وَأَنفِقُواْ مِمَّا جَعَلَكُم مُّسۡتَخۡلَفِينَ فِيهِۖ فَٱلَّذِينَ ءَامَنُواْ مِنكُمۡ وَأَنفَقُواْ لَهُمۡ أَجۡرٞ كَبِيرٞ” – الحديد: ٧-، فالآية تذكّر المأمور بالإنفاق بأنّ الآمر بالإنفاق ليس أجنبيّاً عمّا بيدك من مال، بل هو رازقك إياه، وجاعلك خليفةً عنه على المال، والمستخلَف على شيء لا يتجاوز فيه من استخلفه عليه، وقد أمر بالإنفاق منه. ثمّ وعد المؤمنين بالأجر الكبير على الإنفاق، فقال:(.. فَٱلَّذِينَ ءَامَنُواْ مِنكُمۡ وَأَنفَقُواْ لَهُمۡ أَجۡرٞ كَبِيرٞ).
ومن الآيات الّتي تستحثّنا على الإنفاق قوله سبحانه: “وَأَنفِقُواْ مِن مَّا رَزَقۡنَٰكُم مِّن قَبۡلِ أَن يَأۡتِيَ أَحَدَكُمُ ٱلۡمَوۡتُ فَيَقُولَ رَبِّ لَوۡلَآ أَخَّرۡتَنِيٓ إِلَىٰٓ أَجَلٖ قَرِيبٖ فَأَصَّدَّقَ وَأَكُن مِّنَ ٱلصَّالِحِينَ”- المنافقون: ١٠-، وهذهالآية على نسق سابقتها تلفتنا- ابتداءً- إلى أنّ الآمر بالإنفاق من المال هو رازقك إياه، وفي ميزان العقلاء من اللؤم أن لا تسجيب له؛ فإنّ ما أمرك بإنفاقه بمثابة ما استودعك إياه وائتمنك عليه، فعدم ردّه وإنفاقه خيانة للأمانة. ثمّ تضيف الآية أمراً آخر، وهو أنّ المأمور بالإنفاق إذا لم يستجب لهذا الأمر إلى أن أتاه الموت فلا جدوى في طلب تأخيره لأجل أن يتصدّق؛ فإنّه قد أمهل مهلة طويلة مع سابق التنبيه على مدّة الإمهال، وقد استنفذت، فلا مهلة إضافيّة.
ومن الآيات الحاثّة على الإنفاق قوله سبحانه: “فَٱتَّقُواْ ٱللَّهَ مَا ٱسۡتَطَعۡتُمۡ وَٱسۡمَعُواْ وَأَطِيعُواْ وَأَنفِقُواْ خَيۡرٗا لِّأَنفُسِكُمۡۗ وَمَن يُوقَ شُحَّ نَفۡسِهِۦ فَأُوْلَٰٓئِكَ هُمُ ٱلۡمُفۡلِحُونَ” – التغابن: ١٦، فقد بيّنت أنّ نفع إنفاقكم سيعود بالخير إليكم، وكشفت عن سبب تامّ للفلاح وهو أن يوقى المرء شحّ نفسه فينفقَ ممّا رزقه الله سبحانه، وفي الآية تحذير مبطّن من شحّ النفس بالمال ومدى وخامته وخطورته، وأنّ الخسران هو مصيرها، وفي تفسير القمّي قال: حدّثني أبي عن الفضل بن أبي قرّة قال: رأيت أبا عبد الله (عليه السلام) يطوف من أول الليل إلى الصباح، وهو يقول: اللهمّ قني شحّ نفسي، فقلت: جعلت فداك، ما سمعتك تدعو بغير هذا الدعاء، قال: وأيّ شيء أشدّ من شحّ النفس؛ إنّ الله يقول: (وَمَن يُوقَ شُحَّ نَفۡسِهِۦ فَأُوْلَٰٓئِكَ هُمُ ٱلۡمُفۡلِحُونَ).
[شؤون الإنفاق/ آثاره:]
ثمّ إنّ الآية المباركة أدخلتنا على الحديث عن شأن من شؤون الإنفاق، وهو آثاره وثمراته، ومن الآيات في ذلك قوله سبحانه: “خُذۡ مِنۡ أَمۡوَٰلِهِمۡ صَدَقَةٗ تُطَهِّرُهُمۡ وَتُزَكِّيهِم بِهَا وَصَلِّ عَلَيۡهِمۡۖ إِنَّ صَلَوٰتَكَ سَكَنٞ لَّهُمۡۗ وَٱللَّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ” – التوبة: ١٠٣-، فبقطع النظر عن طبيعة التصدّق والإنفاق وأنّه واجب أو مندوب فإنّ من آثاره تطهير النفس وتزكيتها، ولعلّه هو وقايتها من شحّها المذكور في الآية السابقة.
ومن آثاره الأخرويّة ما جاء في أكثر من رواية، وواحدة منها رواها شيخ الطائفة الشيخ الطوسيّ (رضي الله عنه) في (الأماليّ) بسنده عن سالم بن أبي حفصة- في حديث- قال: قال الإمام الصادق (عليه السلام): قال الله تعالى: “إنّ من عبادي من يتصدّق بشقّ تمرة، فأربّيها له كما يربّي أحدكم فلوه [والفلو هو صغير الفرس]، حتى أجعلها له مثل جبل أحد”.
ومن الروايات في الإشارة إلى ثواب الإنفاق ما رواه ثقة الإسلام الشيخ الكلينيّ (رضي الله عنه)- بسند معتبر- عن أبي يقظان عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال: “رأيت المعروف كاسمه، وليس شيء أفضل من المعروف إلا ثوابه، وذلك يرى منه، وليس كلّ من يحبّ أن يصنع المعروف إلى الناس يصنعه، وليس كلّ من يرغب فيه يقدر عليه، ولا كلّ من يقدر عليه يؤذن له فيه، فإذا اجتمعت الرغبة والقدرة والاذن فهنالك تمّت السعادة للطالب والمطلوب إليه”. وقد خطّت هذه المعتبرة قاعدةً، وهي أنّه ليس من الضروريّ إذا أحببت صنع المعروف ورغبت فيه فإنّك تصنعه، فقد ترغب في فعل المعروف ولا تفعله؛ لعدم قدرتك عليه، وقد ترغب في فعل المعروف ولا تفعله رغم قدرتك؛ ذلك لعدم الإذن لك فيه، ومن هنا نعلم بأنّك متى ما اتّفق منك فعل المعروف فذلك يعني أنّ التوفيق الإلهي قد سبق هذا الفعل، وقد لا يتفق للبعض الرغبة في صنع المعروف، وقد يتفق للبعض الرغبة في صنع المعروف ورغم قدرته عليه يسبق إليه، وقد يحلو له ما كُفِي إياه، وربما كان في البين خذلان إلهيّ وسلب توفيق، وهو الّذي عبّرت عنه المعتبرة بعدم الإذن.
ومن الروايات في الإشارة إلى الثواب، وتحضّض على الإنفاق وصلة القرابة والإخوان- ما في الكافي بسنده عن رجل من أهل ساباط قال: قال أبو عبد الله (عليه السلام) لعمّار: يا عمّار أنت رَبُّ مال كثير؟ قال: نعم- جعلت فداك-، قال: فتؤدّي ما افترض الله عليك من الزكاة؟ قال: نعم، قال: فتخرج المعلوم من مالك؟ [في إشارة إلى قول الله سبحانه: “وفي أموالهم حقّ معلوم للسائل والمحروم”، وقد وردت الروايات بأنّه غير الزكاة الواجبة] قال: نعم، قال: فتصل قرابتك؟ قال: نعم، قال: فتصل إخوانك؟ قال: نعم، فقال: “يا عمّار إنّ المال يفنى، والبدن يبلى، والعمل يبقى، والديّان حيّ لا يموت، يا عمّار إنّه ما قدّمتَ فلن يسبقك، وما أخّرت فلن يلحقك”؛ فإنّ الإمام (عليه السلام)- رغم ما سمعه من عمّار من صلته لقرابته وإخوانه وراء أداء ما افترض عليه من الزكاة- أخذ (صلوات الله عليه) في تحضيضه على الإنفاق، فقال له: (يا عمّار إنّ المال يفنى، والبدن يبلى)وهاتان قضيتان واقعيتان لا تُنكران، ولكنّ المشكلة في التنكّر لهما، والتعاطي مع الثراء وكأنّه باقٍ لا يزول، ومع الحياة وكأنّها لا تُعْقَبُ بالموت والفناء، ثمّ قال (عليه السلام): (والعمل يبقى، والديّان حيّ لا يموت)، ويريد بالعمل العمل الصالح، ويريد ببقائه عدم فوت الثواب على فاعله، وقد أكّد ذلك بقوله: (والديّان حيّ لا يموت)، والديّان من الدِّيْن بمعنى الجزاء، فالدّيان هو المُجازي- وهو صفة من صفات الله-، وهو سبحانه (حيّ لا يموت)، ولن يفوت معه جزاء صالحات الأعمال، ومنها الإنفاق.
[شؤون الإنفاق/ تقوى الله فيما أمر:]
ومن شؤون الإنفاق ثمّة شأنٌ في غاية الأهمّيّة، وهو تقوى الله فيما أمر سبحانه، فقد ينفق المرء ويعطي، ولكنّ ما الّذي أنفقه وينفقه؟ والحديث في هذا الشأن في ضمن آيتين كريمتين:
الآية الأولى: هي قول الله سبحانه: “يَٰٓأَيُّهَا ٱلَّذِينَ ءَامَنُوٓاْ أَنفِقُواْ مِن طَيِّبَاتِ مَا كَسَبۡتُمۡ وَمِمَّآ أَخۡرَجۡنَا لَكُم مِّنَ ٱلۡأَرۡضِۖ وَلَا تَيَمَّمُواْ ٱلۡخَبِيثَ مِنۡهُ تُنفِقُونَ وَلَسۡتُم بِـَٔاخِذِيهِ إِلَّآ أَن تُغۡمِضُواْ فِيهِۚ وَٱعۡلَمُوٓاْ أَنَّ ٱللَّهَ غَنِيٌّ حَمِيدٌ”- البقرة: ٢٦٧-، فهنا أمرٌ ونهي، أمرٌ بإنفاق الطيّب، وبعده نهيٌ عن تخيّر الخبيث للإنفاق، وكان يكفي ذلك الأمر، ولكن جاء النهي المذكور بعده-وهو مؤكّد للأمر- بتبعِ واقع، وهو سبب نزول الآية، فقد روى في (الكافي) بسنده عن أبي بصير عن أبي عبد الله (عليه السلام) في قول الله عزّ وجلّ: “يا أيها الذين آمنوا أنفقوا من طيّبات ما كسبتم وممّا أخرجنا لكم من الأرض ولا تيمّموا الخبيث منه تنفقون..”قال: كان رسول الله (صلّى الله عليه وآله) إذا أمر بالنخل أن يزكّى يجيء قوم بألوان من تمر- وهو من أردى التمر- يؤدّونه من زكاتهم تمرا، يقال له: الجُعْرُور والمِعَافَارَة، قليلة اللحا، عظيمة النوى، وكان بعضهم يجيء بها عن التمر الجيّد، فقال: رسول الله (صلّى الله عليه وآله) لا تخرصوا هاتين التمرتين، ولا تجيئوا منها بشيء، وفي ذلك نزل “ولا تيمّموا الخبيث منه تنفقون ولستم بآخذيه إلا أن تغمضوا فيه..”، والإغماض أن تأخذ هاتين التمرتين”. قال في (الكافي): وفي رواية أخرى عن أبي بصير عن أبي عبد الله (عليه السلام) في قول الله عزّ وجلّ: “أنفقوا من طيّبات ما كسبتم”، فقال:”كان القوم قد كسبوا مكاسب سوء في الجاهلية، فلمّا أسلموا أرادوا أن يخرجوها من أموالهم ليتصدّقوا بها، فأبى الله تبارك وتعالى إلا أن يخرجوا من أطيب ما كسبوا”.
إذن ما كانوا يتّقون الله فيما أمرهم به من الإنفاق، فكانوا يختارون ما هو رديء وخبيث، ولو دفع ذلك إليهم لما أخذوه إلا مع الإغماض- وهو غضّ البصر-، وقد كنّى به عن المسامحة والتساهل، فإذا كانوا لا يأخذونه إلا مع الإغماض فينبغي لهم أن لا يدفعوه، ففي (نهج البلاغة) من وصيّة أمير المؤمنين لابنه الحسن (عليهما السلام): “يا بني اجعل نفسك ميزاناً فيما بينك وبين غيرك، فأحبب لغيرك ما تحبّ لنفسك، واكره له ما تكره لها”.
الآية الثانية هو قول الله سبحانه: “وَٱتۡلُ عَلَيۡهِمۡ نَبَأَ ٱبۡنَيۡ ءَادَمَ بِٱلۡحَقِّ إِذۡ قَرَّبَا قُرۡبَانٗا فَتُقُبِّلَ مِنۡ أَحَدِهِمَا وَلَمۡ يُتَقَبَّلۡ مِنَ ٱلۡأٓخَرِ قَالَ لَأَقۡتُلَنَّكَۖ قَالَ إِنَّمَا يَتَقَبَّلُ ٱللَّهُ مِنَ ٱلۡمُتَّقِينَ” المائدة: ٢٧، ففي البحار-١١: ٢٢٦- نقلاً عن كتاب المحتضَر للحسن بن سليمان نقلاً من كتاب الشفاء والجلاء بإسناده عن معاوية بن عمّار عن أبي عبد الله ( عليه السلام)- في حديث- أنّه قال: “أوحى الله (عزّ وجلّ) إلى آدم: سبق علمي أن لا أترك الأرض من عالم يعرف به ديني، وأن اخرج ذلك من ذريتك، فانظر إلى اسمي الأعظم وإلى ميراث النبوة وما علّمتك من الأسماء كلّها وما يحتاج إليه الخلق من الأثرة عنّي فادفعه إلى هابيل، قال: ففعل ذلك آدم بهابيل، فلما علم قابيل ذلك من فعل آدم غضب، فأتى آدم فقال له: يا أبه، ألست أكبر من أخي وأحقّ بما فعلت به؟ فقال آدم: يا بني إنّما الأمر بيد الله يؤتيه من يشاء، وإن كنت أكبر ولدي؛ فإنّ الله خصّه بما لم يزل له أهلا، فإن كنت تعلم أنّه خلاف ما قلت، ولم تصدّقني فقرّبا قربانا، فأيّكما قُبل قربانه فهو أولى بالفضل من صاحبه، قال: وكان القربان في ذلك الوقت تنزلنار فتأكله، فخرجا فقرّبا قربانا، كما ذكر الله في كتابه: “واتل عليهم نبأ ابني آدم بالحقّ إذ قرّبا قربانا، فتقبّل من أحدهما ولم يتقبّل من الآخر”، قال: وكان قابيل صاحب زرع، فقرّب قمحاً نَسْياً رديئا، وكان هابيل صاحب غنم، فقرّب كبشاً سميناً من خيار غنمه، فأكلت النار قربان هابيل، ولم تأكل قربان قابيل..” فقابيل لم يتّقِ الله فيما أمر بأن يجعله قرباناً فلم يتقبّل منه.
وكما ينبغي أن ننفق الطّيّب، وأن لا نتخير الخبيث أو الرديء لننفقه- كذلك مقتضى التقوى فيما أمر الله أن يكون إنفاقنا بسخاء ولا نكتفي بأصل الإنفاق، وأن نتقن الأعمال المطلوبة منّا ونُحْكِمَ ها.
[شؤون الإنفاق/ القبول من عدمه:]
وأخيراً يجدر بمن ينفق ويعطي أن لا يبارحه هاجس قبول عطيّته من عدمه، كالّذين حكى الله سبحانه عنهم بقوله: “وَٱلَّذِينَ يُؤۡتُونَ مَآ ءَاتَواْ وَّقُلُوبُهُمۡ وَجِلَةٌ أَنَّهُمۡ إِلَىٰ رَبِّهِمۡ رَٰجِعُونَ”- المؤمنون: ٦٠-، وكيف تهدأ نفوسهم وأمر المعاد والجزاء الوفاق مخامر لتلك النفوس لا ينفك عنها.
اللهمّ صلّ على محمّد وآل محمّد، وانصر من نصر الدين، واخذل من خذل الدين، واغفر لنا ولجميع المؤمنين والمؤمنات، وتب علينا إنّك أنت التوّاب الرحيم، اللهم إنّا نحبّ محمّداً وآل محمّد فاحشرنا معهم، اللهم إنّا نحبّ عمل محمّد وآل محمّد فأشركنا في عملهم، وأحينا محياهم، وأمتنا مماتهم، وتوفّنا على ملّتهم ودينهم، اللهم أرنا في آل محمّد (عليهم السلام) ما يأمَلون، وفي عدوّهم ما يحذرون.
ثم إن أحسن القصص وأبلغ الموعظة وأنفع التذكّر كتاب الله (عزّ وجلّ). أعوذ بالله من الشيطان الرجيم “بسم الله الرحمن الرحيم* إذا جاء نصر الله والفتح*ورأيت الناس يدخلون في دين الله أفواجا*فسبّح بحمد ربّك واستغفره إنّه كان توّابا*.”النصر1-3
……………………………………………………………………
الخطبة الثانية:
“نحمد الله ربنا وإلهنا، ووليّنا ووليّ النعم علينا، الّذي أصبحت نعمه علينا ظاهرة وباطنة، امتنانا منه بغير حول منّا ولا قوّة؛ ليبلوَنا أنشكر أم نكفر؟ فمن شكر زاده، ومن كفر عذّبه”.
وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أنّ محمّداً عبده ورسوله، أرسله بالهدى ودين الحقّ؛ ليظهره على الدين كلّه ولو كره المشركون.
عباد الله، أوصيكم ونفسي بتقوى الله، وأن لا نؤثر أحداً على رضاه وهواه؛ فإنّها وصيّة الله (عزّ وجلّ) إلى خلقه، لا يقبل منهم غيرها، ولا يعظُم سواها، واعلموا أنّ الخلائق لم يوكّلوا بشيء أعظمَ من التقوى.
اللهم صلّ على محمد خاتم النبيّين والمرسلين الصادق الأمين، وعلى عَليٍّ أميرِ المُؤمِنينَ وَوَصيِّ رَسولِ رَبِّ العالَمينَ وعَلى الصِّدّيقَةِ الطَّاهِرَةِ فِاطِمَةَ سَيِّدَةِ نِساءِ العالَمينَ، وَصَلِّ عَلى سِبطَي الرَّحمَةِ وَإمامَي الهُدى الحَسَنِ وَالحُسَينِ، وَصَلِّ عَلى أئِمَّةِ المُسلِمينَ عَليِّ بنِ الحُسَينِ وَمُحَمَّدِ بنِ عَليٍّ وَجَعفَرِ بنِ مُحَمَّدٍ وَموسى بنِ جَعفَرٍ وَعَليِّ بنِ موسى وَمُحَمَّدِ بنِ عَليٍّ وَعَليِّ بنِ مُحَمَّدٍ وَالحَسَنِ بنِ عَليٍّ وَالخَلَفِ الهادي المَهدي، حُجَجِكَ عَلى عِبادِكَ وَاُمَنائِكَ في بِلادِكِ صَلاةً كَثيرَةً دائِمَةً.
اللهُمَّ وَصَلِّ عَلى وَليِّ أمرِكِ القائِمِ المُؤَمَّلِ وَالعَدلِ المُنتَظَرِ وَحُفَّهُ بِمَلائِكَتِكَ المُقَرَّبينَ وَأيِّدهُ بِروحِ القُدُسِ يا رَبَّ العالَمينَ.
اللهم واحفظ وسدّد وأيّد نوّابه بالحقّ، والفقهاء العدول، والعلماء العاملين.
أمّا بعد أيّها الملأ الكريم من المؤمنين والمؤمنات فالحديث في هذا المقام في عنوانين:
العنوان الأوّل: ضرورة التكافل الاجتماعيّ:
لا تزال مشكلة الفقر وتدنّي الأجور وتفشّي البطالة وغلاء الأسعار وفرض القيمة المضافة تؤرّق أصحاب الضمائر الحيّة، وتضع الجميع وبلا استثناء أمام مسؤوليات دينيّة وأخلاقيّة لرفع هذه المشاكل أو تخفيفها، وتحتّم علينا إعمال مبدأ التكافل الاجتماعيّ في نطاق الأرحام؛ فإنّ السلام أدنى ما توصل به الرحم، وتفقّد سلامتهم وعيادة مرضاهم ومشاركتهم أفراحهم وأتراحهم ليست هي كلّ صلة الرحم، فاللازم- مع إعوازهم، وبلا تراخٍ ولا تواكل- تعاهد أحوالهم وسدّ نواقصهم وتحمّل المهمّ من نفقاتهم.
كما تحتّم علينا تلكم المشكلات صلة الإخوان والإفضال عليهم، والتخلّي عن إيثار الذات. كما أنّ تلك المشكلات تفرض على مثل الجمعيات الخيريّة المشكورة- مقدّماً- خدماتها وجهودها أن تزايد من مشاريعها وخدماتها وأن ترفع من سقوف موازناتها بما يسدّ الحاجات ويحفظ ماء الوجوه.
وكلّ ذلك لا يعفي الحكومة بوزاراتها ومؤسساتها الخدميّة من مسؤولياتها ومن الإسراع في تنفيذها خصوصاً للمفرج عنهم في أيام عيد الفطر وقبل أقلّ من شهر من الآن، فإنّ حاجتهم إلى التدريب التوظيف- الّذي وجّهت الحكومة بهما وزارة العمل- ليست الحاجة الوحيدة؛ فإنّ من حوائجهم الماسّة والضروريّة ما يعود إلى التعليم والإسكان وصحتهم البدنية، وهم بانتظار أن توجّه الحكومة بقيّة الوزارات للاضطلاع بمسؤولياتها اتّجاههم، وأن تتابع مع الوزارات ما وجّهت به إليها وأن يكون وفق خطّة زمنيّة محدّدة.
وأختم هذا العنوان بدعوة مجتمعنا أهل الإيمان وكذا الجمعيّات الخيريّة بتكفّل احتياجات ونفقات المفرج عنهم.
العنوان الثاني: عليكم بسلاح الأنبياء:
في ظلّ ما نزل بأهلنا وإخواننا في لبنان المقاوَمة والنجْدة من عدوان صهيونيّ غاشم وبربريّ، لا يقيم حرمةً للدماء والنفوس، ولا يرعى المواثيق والعهود- أوّلاً-، واهتماماً بأمور المسلمين الّتي لا يسلم لنا إسلامنا بعدم الاهتمام بها- ثانياً-، وأخذاً بأسباب النصر والمَنَعَة- ثالثاً-، ثمّ إنّ الميسور من تلك الأسباب- وهو الدعاء- لا يسقط بالمعسور منها- رابعاً-، فـعليكم بسلاح الأنبياء- كما عن الإمام أبي الحسن الرضا (عليه السلام)- فقيل له: ما سلاح الأنبياء؟ قال: الدعاء، و”الدعاء أنفد من السنان الحديد”- كما صحّ عن الإمام جعفر الصادق (عليه السلام)- فالمأمول من المؤمنين إقامة أمسيّات دعائيّة في اللطف بأهلنا وحمايتهم وفي نصرهم وردّ كيد أعدائهم في نحورهم- كما جاء في بيان السادة العلماء-، ونغتنم فرصة اجتماعكم الكريم هذا في الدعاء لهم: “اللهم صلّ على محمّد وآله، وَحَصِّنْ ثُغُورَ الْمُسْلِمِينَ بِعِزَّتِكَ، وَأَيِّدْ حُمَاتَهَا بِقُوَّتِكَ، وَأَسْبغَ عَطَايَاهُمْ مِنْ جِدَتِكَ.، اللَّهُمَّ صَلِّ عَلَى مُحَمَّد وَآلِهِ، وَكَثِّرْ عِدَّتَهُمْ، وَاشْحَذْ أَسْلِحَتَهُمْ، وَاحْرُسْ حَوْزَتَهُمْ، وَامْنَعْ حَوْمَتَهُمْ، وَأَلِّفْ جَمْعَهُمْ، وَدَبِّرْ أَمْرَهُمْ، وَوَاتِرْ بَيْنَ مِيَرِهِمْ، وَتَوَحَّدْ بِكِفَايَةِ مَؤَنِهِمْ، وَاعْضُدْهُمْ بِالنَّصْرِ، وَأَعْنِهُمْ بِالصَّبْرِ، وَالْطُفْ لَهُمْ فِي الْمَكْرِ… االلَّهُمَّ افْلُلْ بِذَلِـكَ عَدُوَّهُمْ، وَاقْلِمْ عَنْهُمْ أَظْفَارَهُمْ، وَفَرِّقْ بَيْنَهُمْ وَبَيْنَ أَسْلِحَتِهِمْ ، وَاخْلَعْ وَثَائِقَ أَفْئِدَتِهِمْ، وَبَاعِدْ بَيْنَهُمْ وَبَيْنَ أَزْوِدَتِهِمْ، وَحَيِّرْهُمْ فِي سُبُلِهِمْ، وَضَلِّلْهُمْ عَنْ وَجْهِهِمْ، وَاقْـطَعْ عَنْهُمُ الْمَدَدَ وَانْقُصْ مِنْهُمُ الْعَدَدَ، وَامْلاْ أَفْئِدَتَهُمُ الرُّعْبَ، وَاقْبِضْ أَيْـدِيَهُمْ عَنِ البَسْطِ، وَاخْـزِمْ أَلْسِنَتَهُمْ عَنِ النُّطْقِ، وَشَرِّدْ بهِمْ مَنْ خَلْفَهُمْ، وَنَكِّلْ بِهِمْ مَنْ وَرَاءَهُمْ، وَاقْـطَعْ بِخِزْيِهِمْ أَطْمَـاعَ مَنْ بَعْدَهُمْ.”.
اللهم صلّ على محمّد وآل محمّد، واغفر لنا ولآبائنا ولأمهاتنا ولمن له حقّ علينا ولجميع المؤمنين والمؤمنات، وتجاوز عنّا، وهب لنا رحمة واسعة جامعة نبلغ بها خير الدنيا والآخرة، واشفِ مرضانا، وردّ غرباءنا، وفكّ أسرانا، إله الحقّ وخالق الخلق.
“إِنَّ ٱللَّهَ يَأۡمُرُ بِٱلۡعَدۡلِ وَٱلۡإِحۡسَٰنِ وَإِيتَآيِٕ ذِي ٱلۡقُرۡبَىٰ وَيَنۡهَىٰ عَنِ ٱلۡفَحۡشَآءِ وَٱلۡمُنكَرِ وَٱلۡبَغۡيِۚ يَعِظُكُمۡ لَعَلَّكُمۡ تَذَكَّرُونَ”.

