خطبة الجمعة للشيخ علي الصددي – 03/10/ 1445هـ الموافق 12 أبريل 2024م جامع الإمام الصادق(ع) – الدراز
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
الخطبة الأولى:
أعوذ بالله السميع العليم من الشيطان الغوي الرجيم ..
بسم الله الرحمن الرحيم
اللهم لك الحمد بمحامدك كلها أولها وآخرها ما قلت لنفسك منها وما قال لك الخلائق الحامدون المجتهدون المعددون الموفّرون في ذكرك والشكر لك الذين أعنتهم على أداء حقك من أصناف خلقك من الملائكة المقربين والنبيين والمرسلين وأصناف الناطقين المسبحين لك من جميع العالمين”.
وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، “لَيسَ في السَّماواتِ العُلى وَلا في الأرضينَ السُّفلى وَلا فَوقَهُنَّ وَلا تَحتَهُنَّ وَلا بَينَهُنَّ إلهٌ يُعبَدُ غَيرُهُ”. وأشهد أنّ محمّداً عبده ورسوله، “بَلَّغَ رِسالاتِ رَبِّهِ، وَجاهَدَ في اللهِ الحائِدينَ عَنهُ العادِلينَ بِهِ، وَعَبَدَ اللهَ حَتّى أتاهُ اليَقِينَ (صلّى الله عليه وآله وسلّم).
عباد الله وإماءه وأهل طاعته، أوصيكم ونفسي- حقّاً وصدقاً- بتقوى الله، فَإِنَّ ٱللَّهَ يُحِبُّ ٱلۡمُتَّقِينَ- آل عمران: ٧٦-، ويرضيهم بما ينيلهم ويبلّغهم إياه.
أمّا بعد أيّها المؤمنون والمؤمنات فالحديث في أمرين:
الأمر الأول: في حقيقة الدين وبعض حقائقه:
وعندما نتحدّث عن الدين إنّما نتحدّث عنه في ضوء أصدق وأوضح طريق للعلم وكشف الحقائق وهو الوحي والوحيانيات، وهو ما يتصل بالوحي، من كتاب منزل، وهو الكتاب العزيز، ونبيّ مرسل، وهو الخاتم للنبيين المنزل على قلبه الكتاب الصادق المصدّق- من قبل ومن بعد- محمّد بن عبد الله (صلّى الله عليه وآله)، ومن عنده علم الكتاب ومن أورثوا إياه وشركاه عترة نبيّنا المعصومون (صلوات الله عليهم أجمعين)، إذن نحن نتحدّث عن الدين من داخله، فنحقّق ما حققّه الله ورسوله وأوصياؤه، ونبطل ما أبطلوا، فما قالوا عنه بأنّه حقّ وواقعيّ قلنا عنه بأنّه كذلك، وما قالوا عنه بأنّه باطل لا واقع له قلنا عنه بأنه كذلك، ونشهدهم على ذلك بقولنا لهم: “محقّق لما حققّتم مبطل لما أبطلتم”. ولا نتحدّث عنه من خارجه؛ لنخترعه ونبتدعه، فنرتضي ما نرتضي بأهوائنا- ونعبّر عنها بالوجدان، ونَصِفُه بالصادق-، ونرفض ما يخالف تلك الأهواء.
}حقيقة الدين وحقائقه{
وبعد هذه المقدّمة نقول- اتّباعاً للوحي المبين- عن دين الله وما يتصل به ما يلي في نقاط سبع:
النقطة الأولى: في حقيقة الدين وواقعه:
فنقول عنه ما قاله الله سبحانه عنه: “إِنَّ ٱلدِّينَ عِندَ ٱللَّهِ ٱلۡإِسۡلَامُۗ ..”- آل عمران: ١٩-، نعم فالإسلام عند الله بعد أن تؤمن به هو أن تسلم له، وتؤمن بما أنزل على رسله وخاتمهم (صلّى الله عليه وآله) وبما جاء به عن الله وبلّغه عنه، قال الله سبحانه عن ملّة خليله إبراهيم (عليه وعلى نبيّنا وآله السلام): “وَمَن يَرۡغَبُ عَن مِّلَّةِ إِبۡرَٰهِيمَ إِلَّا مَن سَفِهَ نَفۡسَهُۥۚ وَلَقَدِ ٱصۡطَفَيۡنَاهُ فِي ٱلدُّنۡيَاۖ وَإِنَّهُۥ فِي ٱلۡأٓخِرَةِ لَمِنَ ٱلصَّالِحِينَ”- البقرة: ١٣٠- ثمّ تحدّث سبحانه عمّا تبوّأ به مقام الصالحين، فقال: “إِذۡ قَالَ لَهُۥ رَبُّهُۥٓ أَسۡلِمۡۖ قَالَ أَسۡلَمۡتُ لِرَبِّ ٱلۡعَالَمِينَ”- البقرة: ١٣١-، فأعلنها مدوّية وأفصح عن ملّته ودينه، وأنّه قد أسلم لله وآمن بما جاءه منه؛ إذ هو مالكه ومن سواه، ومدّبره ومن سواه، ثم حكى الله سبحانه عن إبراهيم (عليه السلام) وصيته بنيه بملّته، وأن لا يموتوا إلا عليها؛ إذ أنّها ما اختاره الله ديناً لهم، فقال سبحانه: “وَوَصَّىٰ بِهَآ إِبۡرَٰهِيمُ بَنِيهِ وَيَعۡقُوبُ يَٰبَنِيَّ إِنَّ ٱللَّهَ ٱصۡطَفَىٰ لَكُمُ ٱلدِّينَ فَلَا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنتُم مُّسۡلِمُونَ” – البقرة: ١٣٢-.
النقطة الثانية: في مبرّر اتّباع دينه سبحانه:
فقد ندّد باتّباع غير دينه، وأنّه لا مبرّر في اتّباعه بخلاف اتّباع دينه فقال سبحانه: “أَفَغَيۡرَ دِينِ ٱللَّهِ يَبۡغُونَ وَلَهُۥٓ أَسۡلَمَ مَن فِي ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَٱلۡأَرۡضِطَوۡعٗا وَكَرۡهٗا وَإِلَيۡهِ يُرۡجَعُونَ”- آل عمران: ٨٣- غير فالمبرّر لاتّباعه والإيمان بما جاء به والإسلام له هو أنّه وحده من يَخضع له طوعاً وكرهاً من سواه. ثمّ لقّن نبيّه المصطفى(صلّى الله عليه وآله) ما يجب أن يؤمن به ما دام قد أنزل إليه أو أنزل على النبيين أو أوتوه من ربّهم، فقال سبحانه: “قُلۡ ءَامَنَّا بِٱللَّهِوَمَآ أُنزِلَ عَلَيۡنَا وَمَآ أُنزِلَ عَلَىٰٓ إِبۡرَٰهِيمَ وَإِسۡمَٰعِيلَ وَإِسۡحَاقَ وَيَعۡقُوبَ وَٱلۡأَسۡبَاطِ وَمَآ أُوتِيَ مُوسَىٰ وَعِيسَىٰ وَٱلنَّبِيُّونَ مِن رَّبِّهِمۡ لَا نُفَرِّقُ بَيۡنَ أَحَدٖ مِّنۡهُمۡ وَنَحۡنُ لَهُۥ مُسۡلِمُونَ”- آل عمران: ٨٤-، ثمّ حتّم وبشكل باتٍّ عدم قبوله سبحانه بانتحال ما سوى دينه، فقال: “وَمَن يَبۡتَغِ غَيۡرَ ٱلۡإِسۡلَامِ دِينٗا فَلَن يُقۡبَلَ مِنۡهُ وَهُوَ فِي ٱلۡأٓخِرَةِ مِنَ ٱلۡخَٰسِرِينَ”- آل عمران: ٨٥-.
النقطة الثالثة: في تديّن خلقه له سبحانه:
فمن المرادات الإلهيّة أن يتديّن خلقه- وبلا استثناءٍ- له سبحانه، فلا يطاع إلا هو، ولا يستجاب إلا له، وأن لا دين لأحد وراء ما شرعه، فقال سبحانه: “وَقَاتِلُوهُمۡ حَتَّىٰ لَا تَكُونَ فِتۡنَةٞ وَيَكُونَ ٱلدِّينُ لِلَّهِۖ ..”- البقرة: ١٩٣-، وقال: “وَقَاتِلُوهُمۡ حَتَّىٰ لَا تَكُونَ فِتۡنَةٞ وَيَكُونَ ٱلدِّينُ كُلُّهُۥ لِلَّهِۚ ..”- الأنفال: ٣٩-، وقال سبحانه: “مَا تَعۡبُدُونَ مِن دُونِهِۦٓ إِلَّآ أَسۡمَآءٗ سَمَّيۡتُمُوهَآ أَنتُمۡ وَءَابَآؤُكُم مَّآ أَنزَلَ ٱللَّهُ بِهَا مِن سُلۡطَٰنٍۚ إِنِ ٱلۡحُكۡمُ إِلَّا لِلَّهِ أَمَرَ أَلَّا تَعۡبُدُوٓاْ إِلَّآ إِيَّاهُۚ ذَٰلِكَ ٱلدِّينُ ٱلۡقَيِّمُ وَلَٰكِنَّ أَكۡثَرَ ٱلنَّاسِ لَا يَعۡلَمُونَ”- يوسف: ٤٠-، فما دمنا محكومين له خاضعين تكويناً لإرادته شئنا أم أبينا، وهو ولا سواه من له الحكم فالأمر له ولا دين إلا له، ومن دينه ألا يعبد ولا يستجاب لغيره سبحانه، وقد شدّد على ذلك بقوله: “وَلَهُۥ مَا فِي ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَٱلۡأَرۡضِ وَلَهُ ٱلدِّينُ وَاصِبًاۚ أَفَغَيۡرَ ٱللَّهِ تَتَّقُونَ”- النحل: ٥٢-، فيطاع ومن كلّ أحد وفي كلّ جزئيّةٍ جزئيّة.
النقطة الرابعة: في أنّ الدين وتشريعاته وحي يوحى:
فالدين الحقّ- الّذي شرعه الله لنا- هو ما أوحاه إلى أنبيائه، قال سبحانه: “شَرَعَ لَكُم مِّنَ ٱلدِّينِ مَا وَصَّىٰ بِهِۦ نُوحٗا وَٱلَّذِيٓ أَوۡحَيۡنَآ إِلَيۡكَ وَمَا وَصَّيۡنَا بِهِۦٓ إِبۡرَٰهِيمَ وَمُوسَىٰ وَعِيسَىٰٓۖ أَنۡ أَقِيمُواْ ٱلدِّينَ وَلَا تَتَفَرَّقُواْفِيهِۚ ..”- الشورى: ١٣-. وأمّا ما شرعه من سواه ديناً فباطل لا يُتديّن به ما دام ربّ العالمين لم يأذن به، قال سبحانه: “أَمۡ لَهُمۡ شُرَكَٰاءُ شَرَعُواْ لَهُم مِّنَ ٱلدِّينِ مَا لَمۡ يَأۡذَنۢ بِهِ ٱللَّهُۚ ..”- الشورى: ٢١-.
النقطة الخامسة: وهي في سياق ما سبق، (وهي) أنّ دين الله هو- ولا غيرُه- الدين الحقّ: فقد أضافه سبحانه إلى الحقّ، فقال: “هُوَ ٱلَّذِيٓ أَرۡسَلَ رَسُولَهُۥ بِٱلۡهُدَىٰ وَدِينِ ٱلۡحَقِّ..”- التوبة: ٣٣، الصفّ: ٩، الفتح: ٢٨-، فلا حقّ من الدين إلا دين الله سبحانه وما شرعه، ولم يقل بأنّ دينه حقّ؛ ليعود ساكتاً عن حقّانيّة أو بطلان ما سواه، إذن دين الله هو الحق وما سواه من الدين باطل باطل.
النقطة السادسة: في أن دين الله الحقّ يستكشف ولا يخترع:
فإنّ الدين ما دام له واقعيّة وتقرّر، فحيث لا يحاط به أو بجزئية منه فاللازم هو محاولة استكشافه والتعرّف عليه، قال الله سبحانه: “وَمَا كَانَ ٱلۡمُؤۡمِنُونَ لِيَنفِرُواْ كَآفَّةٗۚ فَلَوۡلَا نَفَرَ مِن كُلِّ فِرۡقَةٖ مِّنۡهُمۡ طَآئِفَةٞ لِّيَتَفَقَّهُواْ فِي ٱلدِّينِ ..”- التوبة: ١٢٢-، فلا يخترع الدين ولا يخترع له، وإنّما يخترع لما لا وجود له، وما يخترع ليس من الدين كائنةً ما كانت آليةِ اختراعه من هوى أو وجدان، ولا يجدي في تسويغه إسباغ الصدق عليها. وكيف يكون الدين قابلاً لأنْ يخترعه الواحد منّا والحال أنّ الله قد اصطفاه واختاره لأنبيائه، وعاد له تقرّر؟! قال الله سبحانه: “وَوَصَّىٰ بِهَآ إِبۡرَٰهِيمُ بَنِيهِ وَيَعۡقُوبُ يَٰبَنِيَّ إِنَّ ٱللَّهَ ٱصۡطَفَىٰ لَكُمُ ٱلدِّينَ فَلَا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنتُم مُّسۡلِمُونَ”- البقرة: ١٣٢-. وكيف يأتي الوجدان عليه ويحيط به؟! وفيه ما ليس للوجدان فيه مسرح من تعبّديات واسعة، وتدابير لخلق وتأكيد العبوديّة كمناسك الحجّ وما إلى ذلك.
النقطة السابعة: في بعض الوظائف اتّجاه الدين:
فمن تلك الوظائف إقامته وتفعيله والتمكين له وبسطه في مساحاته، وكلّ مساحات الحياة مساحاته، قال الله سبحانه: “شَرَعَ لَكُم مِّنَ ٱلدِّينِ مَا وَصَّىٰ بِهِۦ نُوحٗا وَٱلَّذِيٓ أَوۡحَيۡنَآ إِلَيۡكَ وَمَا وَصَّيۡنَا بِهِۦٓ إِبۡرَٰهِيمَ وَمُوسَىٰ وَعِيسَىٰٓۖ أَنۡ أَقِيمُواْ ٱلدِّينَ وَلَا تَتَفَرَّقُواْ فِيهِۚ ..”- الشورى: ١٣-، ونهى عن الفُرقة في الدين؛ إذ الدين ليس منشأً له، أو أنّه إذا اتّفق الاختلاف فقد قرّر ما يحسم به مادّته، وهو إرجاع الأمر إلى الله، قال الله سبحانه: “وَمَا ٱخۡتَلَفۡتُمۡ فِيهِ مِن شَيۡءٖ فَحُكۡمُهُۥٓ إِلَى ٱللَّهِۚ ذَٰلِكُمُ ٱللَّهُ رَبِّي عَلَيۡهِ تَوَكَّلۡتُ وَإِلَيۡهِ أُنِيبُ”- الشورى: ١٠-، وقد نبّه سبحانه بنهيه عن التفرّق في الدين بعد أمره بإقامة الدين على مدى تأثير التفرّق والاختلاف فيه سلباً على إقامة الدين، بخلاف ما إذا كانوا على جماعة.
ومن الوظائف اتّجاه الدين: لزومه وتعاهده أبداً، كما لو كلّفت بحفظ شيء ماديّ فقصرت نظرك عليه لا تلتفت عنه يمنة ولا يسرة، قال الله سبحانه: “فَأَقِمۡ وَجۡهَكَ لِلدِّينِ حَنِيفٗاۚ فِطۡرَتَ ٱللَّهِ ٱلَّتِي فَطَرَ ٱلنَّاسَ عَلَيۡهَاۚ لَا تَبۡدِيلَ لِخَلۡقِ ٱللَّهِۚ ذَٰلِكَ ٱلدِّينُ ٱلۡقَيِّمُ وَلَٰكِنَّ أَكۡثَرَ ٱلنَّاسِ لَا يَعۡلَمُونَ”- الروم: ٣٠-، ولفت سبحانه إلى فطرية دينه، فلا تنافي بينه وبين ما أودع في الإنسان وركّب فيه.
الأمر الثاني: ذكرى استشهاد الإمام الصدر:
أقدم حزب البعث الأثيم في العراق في التاسع من نيسان/ أبريل من سنة ١٩٨٠ على اغتيال المرجع الكبير السيّد محمد باقر الصدر (رضوان الله عليه) بعد أن ضاق ذرعاً بثباته على مواقفه في نصرة دين الله ومناصرة الحقّ، ولكنّه وإن صفّاه جسدياً وحرم الأمّة من عطائه وبركات وجوده لم يستطع إطفاء نوره وحجب شمسه، فها هي معاهد العلم من حوزات وجامعات تتذاكر نظرياته وتمتار أفكاره وتغور في آرائه وتتعرّف رؤاه، ولم تكتفِ ذلك بل تمثّلته استقامةً على الحقّ، وثباتاً على المبدأ، وتنمّراً في ذات الله ولدينه. فسلام عليه يوم ولد، ويوم استشهد محتسباً، ويوم يبعث حيّاً شفيعا.
اللهمّ صلّ على محمّد وآل محمّد، وانصر من نصر الدين، واخذل من خذل الدين، واغفر لنا ولجميع المؤمنين والمؤمنات، وتب علينا إنّك أنت التوّاب الرحيم، اللهم إنّا نحبّ محمّداً وآل محمّد فاحشرنا معهم، اللهم إنّا نحبّ عمل محمّد وآل محمّد فأشركنا في عملهم، وأحينا محياهم، وأمتنا مماتهم، وتوفّنا على ملّتهم ودينهم، اللهم أرنا في آل محمّد (عليهم السلام) ما يأمَلون، وفي عدوّهم ما يحذرون.
ثم إن أحسن القصص وأبلغ الموعظة وأنفع التذكّر كتاب الله (عزّ وجلّ). أعوذ بالله من الشيطان الرجيم “بسم الله الرحمن الرحيموَٱلۡعَصۡرِ (1) إِنَّ ٱلۡإِنسَٰنَ لَفِي خُسۡرٍ (2) إِلَّا ٱلَّذِينَ ءَامَنُواْ وَعَمِلُواْ ٱلصَّٰلِحَٰتِ وَتَوَاصَوۡاْ بِٱلۡحَقِّ وَتَوَاصَوۡاْ بِٱلصَّبۡرِ (3).
……………………………………………………………………
الخطبة الثانية
“اللَّهُمَّ لَكَ الحَمدُ حَمداً يَصعَدُ أوَّلُهُ وَلا يَنفَدُ آخِرُهُ. اللَّهُمَّ لَكَ الحَمدُ حَمداً تَضَعُ لَكَ السَّماء كَنَفَيها ، وَتُسَبِّحُ لَكَ الأرضُ وَمَن عَلَيها. اللَّهُمَّ لَكَ الحَمدُ حَمداً سَرمَداً أبَداً لا انقِطاعَ لَهُ وَلا نَفادَ، وَلَكَ يَنبَغي، وإلَيكَ يَنتَهي”
وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، لَهُ المُلكُ وَلَهُ الحَمدُ، وَهُوَ اللَطيفُ الخَبيرُ. وأشهد أنّ محمّداً عبده ورسوله وَأنَّهُ سَيِّدُ الأوَّلِينَ وَالآخِرينَ وَأنَّهُ سَيِّدُ الأنبياءِ وَالمُرسَلِينَ- صَلّى الله عَلَيهِ وَعَلى أهلِ بَيتِهِ الأئِمَّةِ الطَيِّبِينَ-.
عباد الله ورسم أمره، أوصيكم ونفسي بتقوى الله، ومحاذرة غضبه الّذي لا تقوم له السماوات والأرض، “.. وَيُحَذِّرُكُمُ ٱللَّهُ نَفۡسَهُۥۗ وَإِلَى ٱللَّهِٱلۡمَصِيرُ”- آل عمران: ٢٨-.
اللهم صلّ على محمد خاتم النبيّين والمرسلين الصادق الأمين، وعلى عَليٍّ أميرِ المُؤمِنينَ وَوَصيِّ رَسولِ رَبِّ العالَمينَ وعَلى الصِّدّيقَةِ الطَّاهِرَةِ فِاطِمَةَ سَيِّدَةِ نِساءِ العالَمينَ، وَصَلِّ عَلى سِبطَي الرَّحمَةِ وَإمامَي الهُدى الحَسَنِ وَالحُسَينِ، وَصَلِّ عَلى أئِمَّةِ المُسلِمينَ عَليِّ بنِ الحُسَينِ وَمُحَمَّدِ بنِ عَليٍّ وَجَعفَرِ بنِ مُحَمَّدٍ وَموسى بنِ جَعفَرٍ وَعَليِّ بنِ موسى وَمُحَمَّدِ بنِ عَليٍّ وَعَليِّ بنِ مُحَمَّدٍ وَالحَسَنِ بنِ عَليٍّ وَالخَلَفِ الهادي المَهدي، حُجَجِكَ عَلى عِبادِكَ وَاُمَنائِكَ في بِلادِكِ صَلاةً كَثيرَةً دائِمَةً.
اللهُمَّ وَصَلِّ عَلى وَليِّ أمرِكِ القائِمِ المُؤَمَّلِ وَالعَدلِ المُنتَظَرِ وَحُفَّهُ بِمَلائِكَتِكَ المُقَرَّبينَ وَأيِّدهُ بِروحِ القُدُسِ يا رَبَّ العالَمينَ.
اللهم واحفظ وسدّد وأيّد نوّابه بالحقّ، والفقهاء العدول، والعلماء العاملين.
وكل عام أنتم وكافّة المسلمين بخير، وأسعد الله أيامكم، وأعاده عليكم بالخيرات والمسرّات والبركات.
أما بعد أيّها الملأ المؤمن الكريم فإلى عنوانين:
العنوان الأوّل: أمريكا والغرب والانحطاط الأخلاقي:
في الجمعة الماضية تبنّى مجلس الأمم المتحدة لحقوق الإنسان، واعتمد قراراً يدعو جميع الدول إلى وقف بيع ونقل وتحويل الأسلحة والذخائر وغيرها من المعدّات العسكرية إلى إسرائيل، بهدف منع المزيد من الانتهاكات لحقوق الإنسان في غزّة العزّة والصمود. ورغم أن قرارات هذا المجلس لا تحمل التزامًا قانونيًا على الدول، إلا أنها تحمل وزنًا أخلاقيًا كبيرًا- كما يقال- ورغم ذلك عارضته وصوتت ضدّه أمريكا وألمانيا ما يعكس مدى التسافل والانحطاط الأخلاقي لهما، وأن حضارتهما وإن تعملقت ماديّاً جوفاء أخلاقياً لا يستر سوءتها انتصابها لحفظ حقوق الإنسان هنا وهناك، وما عادت حضارتهما إلا زخرفاً لا يغرّ.
العنوان الثاني: خطوة الإفراجات:
بدايةً، نبارك لإخواننا وأبنائنا المفرج عنهم، ونسأل الله أن يشكر لهم صبرهم واصطبارهم، كما نبارك لعوائلهم عودتهم إليهم وبينهم، ونسأله سبحانه أن يعوّضهم عن لوعة بِعادهم.
ثمّ نثمّن هذه الإفراجات ونقدّرها، ولكنّها جاءت دون آمال الكثيرين وتطلّعاتهم في الإفراج عن كبار السنّ والمرضى بل في تبييض السجون وتخليتها من جميع المعتقلين وبلا استثناء، وفي أن يُشفع ذلك بتأمين عودة المغتربين.
ونعود لنذكّر بما أسلفنا من أنّ اختيار السجون المفتوحة لجملة من المعتقلين إجراء أمنيّ يؤكّد الأزمة ويطيل أمدها ولا يسهم في حلحلتها، وأنّ الوطن العزيز بحاجة ماسّة إلى مشروع كبير ينهض بمعالجة أوضاعه وأزماته بالكامل، ومن جذورها، وبصورةٍ جادّة ووتيرة متسارعة، وهو استحقاق ثابت لمواطنيه.
اللهم صلّ على محمّد وآل محمّد، واغفر لنا ولآبائنا ولأمهاتنا ولمن له حقّ علينا ولجميع المؤمنين والمؤمنات، وتجاوز عنّا، وهب لنا رحمة واسعة جامعة نبلغ بها خير الدنيا والآخرة، واشف مرضانا، ورد غربائنا ، وفك أسرانا، إله الحقّ وخالق الخلق.
“إِنَّ ٱللَّهَ يَأۡمُرُ بِٱلۡعَدۡلِ وَٱلۡإِحۡسَٰنِ وَإِيتَآيِٕ ذِي ٱلۡقُرۡبَىٰ وَيَنۡهَىٰ عَنِ ٱلۡفَحۡشَآءِ وَٱلۡمُنكَرِ وَٱلۡبَغۡيِۚ يَعِظُكُمۡ لَعَلَّكُمۡ تَذَكَّرُونَ”.

