Close Menu
    X (Twitter) الانستغرام يوتيوب تيلقرام
    الإثنين | 27 أكتوبر 2025
    X (Twitter) الانستغرام يوتيوب تيلقرام
    الشيخ علي الصدديالشيخ علي الصددي
    • الرئيسية
    • السيرة الذاتية
    • خطبة الجمعة
    • المحاضرات
      • كلمات ومشاركات
      • الحديث الأسبوعي
      • الدروس
    • مقالات
    • أخبار
    • بيانات ومواقف
    • كتب و مطبوعات
    • وسائط
      • صوت
      • صور
      • فيديو
    • طلب استفتاء
    الشيخ علي الصدديالشيخ علي الصددي
    الرئيسية»خطبة الجمعة
    خطبة الجمعة

    خطبة الجمعة للشيخ علي الصددي – 25 ذو الحجة 1444هـ / 14 يوليو  2023م

    2023-07-1415 دقائق
    شاركها
    تويتر واتساب تيلقرام البريد الإلكتروني Copy Link

    خطبة الجمعة للشيخ علي الصددي –  25/ 12/ 1444 هـ الموافق 14 يوليو 2023م جامع الإمام الصادق (ع) – الدراز

     

    السلام عليكم ورحمة الله وبركاته

    الخطبة الأولى:

    أعوذ بالله السميع العليم من الشيطان الغوي الرجيم .. 

    بسم الله الرحمن الرحيم

    الحمد لله الّذي لم يكن معه ضدّ ولا ندّ، أحد صمد لم يلد ولم يولد ولم يكن له كفوا أحد، إله واحد، وربّ ماجد، يشاء فيُمضي، ويريد فيقضي، ويعلم فيُحصي، ويميت ويحيي، ويفقر ويغني، ويضحك ويبكي، ويمنع ويعطي، له الملك وله الحمد، بيده الخير وهو على كل شيء قدير، يولج الليل في النهار، ويولج النهار في الليل، لا إله إلا هو العزيز الغفّار، مجيب الدعاء، ومجزل العطاء، محصي الأنفاس، وربّ الجنة والناس. 

    أشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، الّذي لا تدركه الأبصار وهو يدرك الأبصار وهو اللطيف الخبير، والذي ينفذ أمره بلا مشاورة مشير ولا معه شريك في تقدير ولا تفاوت في تدبير، والّذي صوّر ما أبدع على غير مثال، وخلق ما خلق بلا معونة من أحد ولا تكلّف ولا احتيال، أنشأها فكانت، وبرأها فبانت، فهو الله الّذي لا إله إلا هو المتقن الصنعة، الحسن الصنيعة، العدل الّذي لا يجور، والأكرم الّذي ترجع إليه الأمور.

    وأشهد أنّ محمّداً عبده ورسوله ونبيّه وصفيّه،أرسله كَآفَّةٗ لِّلنَّاسِ بَشِيرٗا وَنَذِيرٗا (صلّى الله عليه وآله) قام في الناس بالهداية، وأنقذهم من الغواية، وبصّرهم من العماية، وهداهم إلى الدين القويم، ودعاهم إلى الصراط المستقيم. 

    عباد الله وأهل طاعته، أوصيكم ونفسي بتقوى الله؛ فإنّه أهل التقوى، والحقيق بها، قال سبحانه: “فَلَا تَخۡشَوُاْ ٱلنَّاسَ وَٱخۡشَوۡنِ “- المائدة: ٤٤-، وقال: “وَتَخۡشَى ٱلنَّاسَ وَٱللَّهُ أَحَقُّ أَن تَخۡشَىاهُۖ”- الأحزاب: ٧٧-.

    أما بعد أيّها الملأ الكريم من المؤمنين والمؤمنات فإلى عنوانين:

     

    العنوان الأوّل: “القول منّا قولك”:

    من مراتب توحيدنا لله سبحانه ما يعرف بتوحيد الربوبيّة، فهو المدبّر لخلقه، وكما يكون التدبير تكوينيّاً وبنحو مباشر، كذلك يكون تدبيره سبحانه لهم على مستوى التشريع وبتوسط اختيار المكلّف فيما يأتي ويدع، قال الله سبحانه- وفي آيات متعددة- : “إِنِ ٱلۡحُكۡمُ إِلَّا لِلَّهِۖ”، فقد سيقت هذه الآية لبيان حاكميته فيما يرجع إلى التشريع فهو الآمر الناهي، قال سبحانه: “.. إِنِ ٱلۡحُكۡمُ إِلَّا لِلَّهِ أَمَرَ أَلَّا تَعۡبُدُوٓاْ إِلَّآ إِيَّاهُۚ ذَٰلِكَ ٱلدِّينُ ٱلۡقَيِّمُ وَلَٰكِنَّ أَكۡثَرَ ٱلنَّاسِ لَا يَعۡلَمُونَ”، وهذا ما يعرف بتوحيد الحاكميّة. 

    ومن لوازم كون الحكم لله وحده هو لزوم أن يُطاع وأن لا يطاع غيره من دونه، وهو ما يعرف بالتوحيد في مقام الطاعة، قال الله سبحانه: “وَمَا كَانَ لِمُؤۡمِنٖ وَلَا مُؤۡمِنَةٍ إِذَا قَضَى ٱللَّهُ وَرَسُولُهُۥٓ أَمۡرًا أَن يَكُونَ لَهُمُ ٱلۡخِيَرَةُ مِنۡأَمۡرِهِمۡۗ وَمَن يَعۡصِ ٱللَّهَ وَرَسُولَهُۥ فَقَدۡ ضَلَّ ضَلَٰلٗامُّبِينٗا”، وفي صحيحة معاوية بن عمار- وبتسمية صريحة لهذا الضرب من التوحيد- عن أبي عبد الله (عليه السلام)- في حديث- قال: التلبية أن تقول: لبيك اللهم لبيك، لبيك لا شريك لك لبيك؛ ان الحمد والنعمة لك والملك لا شريك لك (لبيك).. واعلم أنه لابدّ من التلبيات الأربع…، وهي الفريضة، وهي التوحيد، وبها لبّى المرسلون..”. فإلى جانب الإصحار بتلبية نداء الله سبحانه واستجابتك له تصحر وتعلن بأنّ من سواه ليس له طاعة إلا أن تكون طاعته من طاعة الله، (لبيك لا شريك لك لبيك)، وقبل أن تسأل عن منشأ هذا، فقد علّلت الصحيحة لزوم إخلاص الله بالطاعة بهذا القول: (إن الحمد والنعمة لك والملك لا شريك لك لبيك)؛ فلأن الملك له، ولأنّه ولي النعمة والحمد لزمت طاعته وموافقة أمره ونهيه.

    وكما تلزم طاعة الله وامتثال أمره ونهيه وموافقتهما تلزم طاعة من فرض الله طاعته، ورسول الله (صلّى الله عليه وآله) ممّن فرض الله طاعته، قال سبحانه: “وَأَطِيعُواْ ٱللَّهَ وَٱلرَّسُولَ لَعَلَّكُمۡ تُرۡحَمُون”- آل عمران: ١٢٣-، وقال: “.. وَأَطِيعُواْ ٱللَّهَ وَرَسُولَهُۥٓ إِن كُنتُم مُّؤۡمِنِين”- الأنفال: ١-، وقال: “وَأَطِيعُواْ ٱللَّهَ وَرَسُولَهُۥ وَلَا تَنَازَعُواْ..”- الأنفال: ٤٦-، وقال: “قُلۡ أَطِيعُواْ ٱللَّهَوَأَطِيعُواْ ٱلرَّسُولَۖ فَإِن تَوَلَّوۡاْ فَإِنَّمَا عَلَيۡهِ مَا حُمِّلَ وَعَلَيۡكُم مَّا حُمِّلۡتُمۡۖ وَإِن تُطِيعُوهُ تَهۡتَدُواْۚ وَمَا عَلَى ٱلرَّسُولِ إِلَّا ٱلۡبَلَاغُ ٱلۡمُبِين”- النور: ٥٤-.

    وإذا كان يحتمل في أمر الله سبحانه بطاعة الرسول (صلّى الله عليه وآله) أن يكون فيما بلّغه عن الله فإنما هو في غير الآيات الّتي تكرّر فيها الأمر بالطاعة. 

    ثمّ إن الله سبحانه لم يفرض طاعة الرسول (صلّى الله عليه وآله) وحسب بل جعل طاعة الرسول طاعته سبحانه، قال سبحانه: “مَّن يُطِعِ ٱلرَّسُولَ فَقَدۡ أَطَاعَ ٱللَّهَۖوَمَن تَوَلَّىٰ فَمَآ أَرۡسَلۡنَاكَ عَلَيۡهِمۡ حَفِيظٗا”- النساء: ٨٠-.

    ومن الآيات الّتي حتّمت طاعته وألزمت التسليم لأمره قوله سبحانه: “وَمَا كَانَ لِمُؤۡمِنٖ وَلَا مُؤۡمِنَةٍ إِذَا قَضَى ٱللَّهُوَرَسُولُهُۥٓ أَمۡرًا أَن يَكُونَ لَهُمُ ٱلۡخِيَرَةُ مِنۡ أَمۡرِهِمۡۗ وَمَن يَعۡصِ ٱللَّهَ وَرَسُولَهُۥ فَقَدۡ ضَلَّ ضَلَالٗا مُّبِينٗا”- الأحزاب: ٣٦”-، وقوله: “فَلَا وَرَبِّكَ لَا يُؤۡمِنُونَ حَتَّىٰ يُحَكِّمُوكَ فِيمَا شَجَرَ بَيۡنَهُمۡ ثُمَّ لَا يَجِدُواْ فِيٓ أَنفُسِهِمۡ حَرَجٗا مِّمَّا قَضَيۡتَ وَيُسَلِّمُواْ تَسۡلِيمٗا”- النساء: ٦٥-، وقد عقد ثقة الإسلام الشيخ الكليني (رضي الله عنه) باباً في كتابه (الكافي) عنونه بـ (باب التسليم وفضل المسلِّمين)، ومن رواياته ما رواه بسند صحيح عن عبد الله الكاهلي قال: قال أبو عبد الله (عليه السلام):” لو أنّ قوماً عبدوا الله وحده لا شريك له وأقاموا الصلاة وآتوا الزكاة وحجّوا البيت وصاموا شهر رمضان، ثمّ قالوا لشيء صنعه الله أو صنعه رسول الله (صلى الله عليه وآله) ألا صنع خلاف الذي صنع، أو وجدوا ذلك في قلوبهم لكانوا بذلك مشركين، ثمّ تلا هذه الآية: “فَلَا وَرَبِّكَ لَا يُؤۡمِنُونَ حَتَّىٰ يُحَكِّمُوكَ فِيمَا شَجَرَ بَيۡنَهُمۡ ثُمَّ لَا يَجِدُواْ فِيٓ أَنفُسِهِمۡ حَرَجٗا مِّمَّا قَضَيۡتَ وَيُسَلِّمُواْ تَسۡلِيمٗا”، ثمّ قال أبو عبد الله (عليه السلام): “عليكم بالتسليم”.

    ومن الروايات في ذلك ما في كتاب (المحاسن) بسند معتبر عن أبي بصير قال: سألت أبا عبد الله (عليه السلام) عن قول الله عزّ وجلّ: “إِنَّ ٱللَّهَ وَمَلَٰائِكَتَهُۥ يُصَلُّونَ عَلَى ٱلنَّبِيِّۚ يَٰٓأَيُّهَا ٱلَّذِينَ ءَامَنُواْ صَلُّواْ عَلَيۡهِ وَسَلِّمُواْ تَسۡلِيمًا”، قال: الصلاة عليه والتسليم له في كل شيء جاء به. 

    ومن الروايات ما في (الكافي) بسند معتبر عن زيد الشحام، عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال قلت له: إنّ عندنا رجلا يقال له كليب، لا يجيئ عنكم شيء إلا قال: أنا أسلّم، فسمّيناه كليب تسليم، قال: فترحّم عليه، ثم قال: أتدرون ما التسليم؟ فسكتنا، فقال: هو والله الإخبات، قول الله عزّ وجلّ: “إِنَّ ٱلَّذِينَ ءَامَنُواْ وَعَمِلُواْ ٱلصَّٰلِحَٰتِ وَأَخۡبَتُوٓاْ إِلَىٰ رَبِّهِمۡ..”.

    وكما تلزم طاعة الله سبحانه، وطاعة رسوله (صلّى الله عليه وآله)، والّتي هي من طاعة الله- كذلك تلزم طاعة أوصياء رسول الله (صلوات الله عليهم) بإلزام الله بها، قال سبحانه: “يَٰٓأَيُّهَا ٱلَّذِينَ ءَامَنُوٓاْ أَطِيعُواْ ٱللَّهَ وَأَطِيعُواْ ٱلرَّسُولَ وَأُوْلِي ٱلۡأَمۡرِ مِنكُمۡۖ ..”- النساء: ٥٩-، وقال: “إِنَّمَا وَلِيُّكُمُ ٱللَّهُ وَرَسُولُهُۥ وَٱلَّذِينَ ءَامَنُواْ ٱلَّذِينَيُقِيمُونَ ٱلصَّلَوٰةَ وَيُؤۡتُونَ ٱلزَّكَوٰةَ وَهُمۡ رَٰكِعُون”- المائدة: ٥٥-، وفي معتبرة الحسين بن أبي العلاء قال: ذكرت لأبي عبد الله عليه السلام قولنا في الأوصياء أن طاعتهم مفترضة قال: فقال: نعم، هم الّذين قال الله تعالى: “أَطِيعُواْ ٱللَّهَ وَأَطِيعُواْ ٱلرَّسُولَ وَأُوْلِي ٱلۡأَمۡرِمِنكُمۡۖ”، وهم الّذين قال الله عزّ وجلّ: “إِنَّمَا وَلِيُّكُمُ ٱللَّهُوَرَسُولُهُۥ وَٱلَّذِينَ ءَامَنُواْ”. فيلزمنا أن نأخذ عنهم وننتهي إليهم وندين الله بما دانوا به، ونقرأ مقرّين ونحن نزورهم (صلوات الله عليهم): “آمَنَّا بِاللهِ وَبِالرَّسُولِ وَبِما جِئتُم بِهِ وَدَلَلتُم عَلَيهِ”، فكلّ ما بلغنا عنهم فقد عقدنا قلوبنا على تصديقه والإيمان به، وكما آمنّا باللهوبرسوله آمنّا بما أتوا به ودلُّوا عليه، وفي الزيارة الجامعة الكبيرة نستشهدهم (صلوات الله عليهم) على إيماننا بما آمنوا به وعلى رفضنا ما رفضوه وبرأوا منه، فنقرأ فيها: “بِأبي أنتُم وَأُمّي وَأهلي وَمالي وَأُسرَتِي، أُشهِدُ اللهَ وَأُشهِدُكُم أنّي مُؤمِنٌ بِكُم وَبِما آمَنتُم بِهِ، كافِرٌ بِعَدُوِّكُم وَبِما كَفَرتُم بِهِ”- إلى أن نقول-:

    “مُحَقِّقٌ لِما حَقَّقتُم، مُبطِلٌ لِما أبطَلتُم”، فما قالوا عنه إنّه حقّ قلنا عنه: إنّه حقّ، وما قالوا عنه إنّه باطل قلنا عنه: إنّه باطل. 

    وحتى نستكمل الإيمان كلّه وندين الله بما دانوا به ونسلّم لهم (عليهم السلام) تسليماً لا نقص فيه ينبغي أن نقول: القول منّا في جميع الأشياء قول آل محمد، فيما أسرّوا وما أعلنوا، وفيما بلغني عنهم وفيما لم يبلغني.

    وللحديث تتمّة تأتي إن شاء الله. 

    العنوان الثاني: الحسين مصباح هدى:

    يقول الله سبحانه في كتابه: “ٱللَّهُ نُورُ ٱلسَّمَاوَاتِ وَٱلۡأَرۡضِۚمَثَلُ نُورِهِۦ كَمِشۡكَاةٖ فِيهَا مِصۡبَاحٌۖ ٱلۡمِصۡبَاحُ فِي زُجَاجَةٍۖ ٱلزُّجَاجَةُ كَأَنَّهَا كَوۡكَبٞ دُرِّيّٞ يُوقَدُ مِن شَجَرَةٖ مُّبَارَكَةٖ زَيۡتُونَةٖ لَّا شَرۡقِيَّةٖ وَلَا غَرۡبِيَّةٖ يَكَادُ زَيۡتُهَا يُضِيٓءُوَلَوۡ لَمۡ تَمۡسَسۡهُ نَارٞۚ نُّورٌ عَلَىٰ نُورٖۚ يَهۡدِي ٱللَّهُ لِنُورِهِۦمَن يَشَآءُۚ وَيَضۡرِبُ ٱللَّهُ ٱلۡأَمۡثَالَ لِلنَّاسِۗ وَٱللَّهُ بِكُلِّ شَيۡءٍعَلِيمٞ”، وهي الآية الخامسة والثلاثون من سورة النور.

    والحديث في هذه الآية الكريمة في نقاط:

    النقطة الأولى: بدأت الآية بهذه الفقرة المباركة: (ٱللَّهُ نُورُ ٱلسَّمَاوَاتِ وَٱلۡأَرۡضِۚ) فما من مهتدٍ إلا ومصدر هدايته هو الله سبحانه، وقد روى رئيس المحدّثين الشيخ الصدوق (رضي الله عنه) في كتابه (التوحيد) بسند صحيح عن العباس بن هلال قال: سألت الرضا (عليه السلام) عن قول الله عزّ وجلّ: (ٱللَّهُ نُورُ ٱلسَّمَاوَاتِ وَٱلۡأَرۡضِۚ)، فقال: “هادٍ لأهل السماء وهادٍ لأهل الأرض”. 

    كما أنّ في قوله سبحانه: (يَهۡدِي ٱللَّهُ لِنُورِهِۦ مَن يَشَآءُۚ)في أواخر الآية ما يفيد أنّ النور الّذي تتحدّث عنه الآية هونور الهداية.

    النقطة الثانية: أنّ الآية مهّدت بـ (ٱللَّهُ نُورُ ٱلسَّمَاوَاتِوَٱلۡأَرۡضِۚ) لمثل نوره، وشبّهته بمشكاة، وهي الرَّوْزَنَةُ، والرَّوْزَنَةُ : كوّة في الحائط غير نافذة يوضع فيها المصباح أو نحوه، إذن شبّهت الآية مثل نوره سبحانه بمشكاة فيها مصباح، وهذا المصباح (فِي زُجَاجَةٍ)، وقد شبّهت الآية الزجاجة بالكوكب الدريّ؛ لبيان لَمعان وتوهّج نور المصباح عند تركيب الزجاجة على المصباح، هذا من جهة، ومن جهة أخرى فإنّه لولا الزجاجة لتناقصت شعلة المصباح بما يهُبّ عليها من الهواء والريح، فتركيب الزجاجة على المصباح يبقي شعلة المصباح متّقدة لا تتماوت. إذن المصباح أوّلاً: (فِي زُجَاجَةٍۖ)، وثانياً: (يُوقَدُ مِن شَجَرَةٖ مُّبَارَكَةٖ زَيۡتُونَةٖ لَّا شَرۡقِيَّةٖ وَلَا غَرۡبِيَّةٖ يَكَادُ زَيۡتُهَا يُضِيٓءُ وَلَوۡ لَمۡتَمۡسَسۡهُ نَارٞ)، فوقود المصباح متّخذ من شجرة، وهو زيت ثمرتها،  ثمّ وصف الله سبحانه تلك الشجرة بأنها (مُّبَارَكَة) قبل أن يذكر نوعها، وأنّها (زَيۡتُونَة)، ووصف سبحانه هذه الشجرة بأنّها ضاحية للشمس على الدوام، فلا هي (شَرۡقِيَّةٖ) فقط بأن يكون إلى الغرب منها شجر يمنع من أن تصيبها الشمس في آخر النهار، وَلَا هي (غَرۡبِيَّةٖ) فقط بأن يكون إلى الشرق منها شجر يمنع من أن تصيبها الشمس في أوّل النهار، أو أنّها على سواء الجبل وذروته، وحينما تكون شجرة الزيتون بهذه المثابة من الإضحاء للشمس تأتي  ثمرتها وزيتها غاية في الجودة، وعلى حدّ تعبير الآية: (يَكَادُ زَيۡتُهَا يُضِيٓءُ وَلَوۡ لَمۡ تَمۡسَسۡهُ نَارٞ)، فكيف إذا مسّته النار وَقوداً للمصباح؟.

    ثمّ ذكر الله عن نور ذلك المصباح حيث يكون وقوده زيت شجرة مباركة زيتونة لا شرقيّة ولا غربيّة، وحيث يكون المصباح في زجاجة كأنّها كوكب درّي- نعم ذكر الله سبحانه عن نور هذا المصباح- بأنّه: (نُّورٌ عَلَىٰ نُورٖۚ)؛ وهو إمّاإشارة إلى تعاظم نور ذلك المصباح وتضاعفه، فلا تحديد لأحد النورين عن الآخر، وإما إلفات إلى نسبة نور المصباح بمعزل عن الزجاجة وإلى نسبته حينما يكون المصباح في الزجاجة. 

    النقطة الثالثة: إن الآية- بعدما شبّهت نوره سبحانه بمشكاة فيها مصباح، والمصباح في زجاجة، وبعدما ذكرت صفة الزجاجة وصفة المصباح- قالت: (يَهۡدِي ٱللَّهُ لِنُورِهِۦمَن يَشَآءُ)، ما يعني أنّ النور الّذي تتحدّث عنه الآية هو نور الهدى- كما أسلفنا ذلك في النقطة الأولى-، وقد روى الشيخ الأقدم عليّ بن إبراهيم (رضي الله عنه) في تفسيره المعروف بـ (تفسير القمّيّ) بسند تامّ عن طلحة بن زيد عن جعفر بن محمد عن أبيه (عليهما السلام) في هذه الآية: (ٱللَّهُنُورُ ٱلسَّمَاوَاتِ وَٱلۡأَرۡضِۚ) قال: “بدأ بنور نفسه تعالى: (مَثَلُ نُورِهِۦ)، مَثّلَ هداه في قلب المؤمن (كَمِشۡكَاةٖ فِيهَا مِصۡبَاحٌۖ)، والمشكاة جوف المؤمن، والقنديل قلبه، والمصباح النور الّذي جعله الله في قلبه..”.

    وبعد هذا- الّذي قدّمناه- لا بدّ أن يأخذنا- ونحن على أعتاب عاشوراء الحسين (عليه السلام)-،- ولو بعد الإشارة- ما لفت له رسول الله (صلّى الله عليه وآله) من المثال الأجلى لمصباح الهدى في الآية، فقد روى الشيخ الصدوق (رضي الله عنه) في كتابيه: (عيون أخبار الرضا “عليه السلام”)، و(إكمال الدين وإتمام النعمة)- واللفظ للأوّل- بسنده عن الإمام أبي جعفر محمّد بن عليّ الجواد عن آبائه (عليهم السلام) عن سيّد الشهداء (عليه السلام) قال:” دخلت على رسول الله (صلّى الله عليه وآله) وعنده أُبيّ بن كعب، فقال لي رسول الله (ص): “مرحبا بكيا أبا عبد الله، يا زين السماوات والأرضين”، قال له أُبيّ: وكيف يكون- يا رسول الله- زين السماوات والأرضين أحد غيرك؟ قال: “يا أُبيّ، والذي بعثني بالحق نبيّا إنّ الحسين بن علي في السماء أكبر منه في الأرض، وإنّه لمكتوب عن يمين عرش الله (عزّ وجلّ): مصباح هدى (هاد)، وسفينة نجاة، وإمام خير ويمن وعزّ وفخر وعلم وذخر أو وبحرُ علم وذخر، فلم لا يكون كذلك؟!- كما في الإكمال-..”.

    فالحسين (صلوات الله عليه)- بعد هذا الّذي حكاه النبيّ الصادق المصدّق (صلّى الله عليه وآله)، وبموجب ما جاء في أواخر آية النور، وهو قوله سبحانه: (يَهۡدِي ٱللَّهُ لِنُورِهِۦ مَن يَشَآءُۚ)- نور من نور الله سبحانه، يهدي الله لهذا النور من يشاء. ويقول الله سبحانه- في ذيل الآية الأربعين من نفس سورة النور-: (وَمَن لَّمۡ يَجۡعَلِ ٱللَّهُ لَهُۥ نُورٗا فَمَا لَهُۥ مِن نُّورٍ).

    وفي تفسير القمّيّ بإسناد صحيح قريب قال: حدثني أبي عن عبد الله بن جندب قال كتبت إلى أبي الحسن الرضا (عليه السلام) اسأل عن تفسير هذه الآية- يعني آية النور- فكتب إلي الجواب: “أما بعد فإن محمداً [صلّى الله عليه وآله] كان أمين الله في خلقه، فلما قبض النبيّ(صلّى الله عليه وآله) كنّا أهلَ البيت ورثته، فنحن أمناء الله في ارضه- إلى أن قال (عليه السلام)- نحن آخذون بحجزة نبيّنا، ونبيّنا آخذ بحجزة ربّنا، والحجزة النور، وشيعتنا آخذون بحجزتنا- وقال-: نحن نور لمن تبعنا، وهدى لمن اهتدى بنا..”. 

    وللحديث تتمّة تأتي إن شاء الله. 

    اللهم صل على محمد وآله، واغفر لنا ولجميع المؤمنين والمؤمنات، وتب علينا إنّك أنت التوّاب الرحيم، اللهم إنّا نحبّ محمّداً وآل محمد فاحشرنا معهم، اللهم إنّانحبّ عمل محمّد وآل محمّد فأشركنا في عملهم، اللهم أرنا في آل محمّد (عليهم السلام) ما يأمَلون، وفي عدوّهم ما يحذرون، اللهم انصر من نصر الدين، واخذل من خذل الدين، وأحلل غضبك بالقوم الظالمين. 

    ثم إن أحسن القصص وأبلغ الموعظة وأنفع التذكّر كتاب الله (عزّ وجلّ) قال الله (عزّ وجلّ):

    “وإذا قرئ القرآن فاستمعوا له وأنصتوا لعلكم ترحمون”. أستعيذ بالله من الشيطان الرجيم ” بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ “وَالْعَصْرِ (1) إِنَّ الْإِنْسَانَ لَفِي خُسْرٍ (2) إِلَّا الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ وَتَوَاصَوْا بِالْحَقِّ وَتَوَاصَوْا بِالصَّبْرِ (3)”

    …………………………………………………………………… 

     

    الخطبة الثانية

    الحمد لله الذي قرب من حامديه، ودنا من سائليه، ووعد الجنة من يتّقيه، وأنذر بالنار من يعصيه، نحمده على قديم إحسانه وأياديه، حمد من يعلم أنه خالقه وباريه، ومميته ومحييه، ومسائله عن مساويه، ونستعينه ونستهديه، ونؤمن به ونستكفيه، ونشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، شهادة تبلغه وتُرضيه، وأن محمّداً عبده ورسوله (صلّى الله عليه وآله صلاةً تزلفه وتحظيه، وترفعه وتصطفيه). 

    عباد الله وإماءه أوصيكم ونفسي بتقوى الله حقّاً وصدقاً، فلا يقوم مقام التقوى الحقّة تسجيلها على الفاقد لها؛ فـ”..ٱللَّهُ عَلِيمُۢ بِٱلۡمُتَّقِينَ”- آل عمران: ١١٥، التوبة: ٤٤-، وبعلمه يحاسب ويجازي. 

    اللهم صلّ على محمد خاتم النبيّين والمرسلينالصادق الأمين، وعلى عَليٍّ أميرِ المُؤمِنينَ وَوَصيِّ رَسولِ رَبِّ العالَمينَ وعَلى الصِّدّيقَةِ الطَّاهِرَةِ فِاطِمَةَ سَيِّدَةِ نِساءِ العالَمينَ، وَصَلِّ عَلى سِبطَي الرَّحمَةِ وَإمامَي الهُدى الحَسَنِ وَالحُسَينِ، وَصَلِّ عَلى أئِمَّةِ المُسلِمينَ عَليِّ بنِ الحُسَينِ وَمُحَمَّدِ بنِ عَليٍّ وَجَعفَرِ بنِ مُحَمَّدٍ وَموسى بنِ جَعفَرٍ وَعَليِّ بنِ موسى وَمُحَمَّدِ بنِ عَليٍّ وَعَليِّ بنِ مُحَمَّدٍ وَالحَسَنِ بنِ عَليٍّ وَالخَلَفِ الهادي المَهدي، حُجَجِكَ عَلى عِبادِكَ وَاُمَنائِكَ في بِلادِكِ صَلاةً كَثيرَةً دائِمَة. اللهُمَّ وَصَلِّ عَلى وَليِّ أمرِكِ القائِمِ المُؤَمَّلِ وَالعَدلِ المُنتَظَرِوَحُفَّهُ بِمَلائِكَتِكَ المُقَرَّبينَ وَأيِّدهُ بِروحِ القُدُسِ يا رَبَّ العالَمينَ,اللهم واحفظ وسدّد وأيّد نوّابه بالحقّ، والفقهاء العدول، والعلماء العاملين. 

    أمّا بعد أيّها الملأ الكريم من المؤمنين والمؤمناتفإلى عنوان :

    موسم عاشوراء والمسؤوليّة اتجاهه:

    لموسم عاشوراء من بين سائر المواسم مكانة رفيعة، وأهمّيّة بالغة، وقيمة كبيرة، ذلك بأنّ مساحاته من مجالس ومواكب وما إليها أبواب إيمان، ومعاهد فكر، ومنارات وعي، ومقابس بصيرة، ومعالم هدى، ومشاعل نور، ومواضع رحمة، ومعزّزات حجّة، ومثابات صلاح، ومحطّات إصلاح، ومواقدحماسة، ومحافل رشد، ومدارس سداد، ومدارج كمال، وموائد خير، وموارد طهر. 

    فعلينا جميعاً وبلا استثناء أن نجدّ في إحياء هذا الموسم المعطاء بما نملك من ملكات وطاقات وإمكانيات وأدوات، وأن يكون للجميع إسهامات وافرة، وبصمات واضحة. 

    ولزاماً علينا جميعاً أن نملأ المجالس وأن نضخم المواكب، وأن يكون حضورنا حضوراً فاعلاً في كل مساحة، وأن لا نكتفي بملأ مساحة دون أخرى.

    وختاماً نتيمن بسوق روايتين في هذا المجال:

    الرواية الأولى: رواها الحميري في (قرب الإسناد)-وكذا الصدوق في (ثواب الأعمال)- بسند معتبر عن بكر بن محمد، عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال: قال لفضيل: “تجلسون وتحدثون؟”قال: نعم، جعلت فداك. قال: “إنّ تلك المجالس أحبّها، فأحيوا أمرنا يا فضيل، فرحم الله من أحيا أمرنا”. يا فضيل، من ذَكَرَنا أو ذُكِرْنا عنده فخرج من عينه مثل جناح الذباب، غفر الله له ذنوبه ولو كانت أكثر من زبد البحر”. 

    الرواية الثانية: رواها الشيخ الأقدم ابن قولويه (رضي الله عنه) في (كامل الزيارات) بسنده عن مسمع بن عبد الملك كردين البصري قال:

    قال لي أبو عبد الله (عليه السلام): “يا مسمع أنت من أهل العراق أما تأتي قبر الحسين (عليه السلام)، قلت: لا انا رجل مشهور عند أهل البصرة، وعندنا من يتبع هوى هذا الخليفة وعدوّنا كثير من أهل القبائل من النصاب وغيرهم، ولست آمنهم ان يرفعوا حالي عند ولد سليمان فيمثّلون بي.(وذكر عذره في عدم زيارته قبر الحسين (عليه السلام)). قال لي: “أفما تذكر ما صنع به”، قلت: نعم، قال: “فتجزع”؟، قلت: اي والله واستعبر لذلك حتى يرى أهلي اثر ذلك علَيّ فأمتنع من الطعام حتى يستبين ذلك في وجهي، قال: “رحم الله دمعتك، أما إنّك من الّذين يُعدَون من أهل الجزع لنا، والّذين يفرحون لفرحنا ويحزنون لحزننا، ويخافون لخوفنا ويأمنون إذا أمِنّا، أما إنّك سترى عند موتك حضور آبائي لك ووصيتهم ملك الموت بك وما يلقونك به من البشارة أفضل، وملك الموت أرقّ عليك وأشدّ رحمة لك من الأم الشفيقة على ولدها”-إلى أن قال(عليه السلام): “وما بكى أحد رحمة لنا ولما لقينا إلا رحمه الله قبل أن تخرج الدمعة من عينه، فإذا سالت دموعه على خدّه فلو أن قطرة من دموعه سقطت في جهنم لأطفأت حرّها حتى لا يوجد لها حرّ، وأنّ الموجع قلبه لنا ليفرح يوم يرانا عند موته فرحة لا تزال تلك الفرحة في قلبه حتى يرد علينا الحوض..”

    اللهم صلّ على محمّد وآل محمّد، واغفر لنا ولآبائنا ولأمهاتنا ولمن له حقّ علينا ولجميع المؤمنين والمؤمنات، وتجاوز عنّا، وهب لنا رحمة واسعة جامعة نبلغ بها خير الدنيا والآخرة، إله الحقّ وخالق الخلق. 

    “إِنَّ ٱللَّهَ يَأۡمُرُ بِٱلۡعَدۡلِ وَٱلۡإِحۡسَٰنِ وَإِيتَآيِٕ ذِي ٱلۡقُرۡبَىٰوَيَنۡهَىٰ عَنِ ٱلۡفَحۡشَآءِ وَٱلۡمُنكَرِ وَٱلۡبَغۡيِۚ يَعِظُكُمۡ لَعَلَّكُمۡ تَذَكَّرُونَ”.

    شاركها. تويتر واتساب تيلقرام البريد الإلكتروني Copy Link
    السابقمعارف من زيارة عاشوراء
    التالي خطبة الجمعة للشيخ علي الصددي – 2 محرم 1445هـ / 21 يوليو 2023م

    اقـرأ أيضـًا

    خطبة الجمعة للشيخ علي الصددي – 4 ربيع الثاني 1446هـ / 11 أكتوبر 2024م

    خطبة الجمعة للشيخ علي الصددي – 23 ربيع الاول 1446هـ / 27 سبتمبر 2024م

    خطبة الجمعة للشيخ علي الصددي – 16 ربيع الاول 1446هـ / 20 سبتمبر 2024م

    منوعات

    الفقيد الراحل الجمري] (قده) في كلام أحد مريديه حوارٌ مع سماحة الشيخ علي فاضل الصددي (سلَّمه الله تعالى)

    خطبة الجمعة للشيخ علي الصددي – 5 محرم 1446هـ / 12 يوليو 2024م

    بيان كبار علماء حول إحياء عاشوراء (1443 هـ – 2021 م)

    خطبة الجمعة للشيخ علي الصددي – 5 رمضان 1445هـ / 15 مارس 2024م

    الشيخ علي الصددي
    X (Twitter) الانستغرام يوتيوب تيلقرام
    • الرئيسية
    • اتصل بنا
    جميع الحقوق محفوظة 2025 © - الشيخ علي الصددي

    اكتب كلمة البحث ثم اضغط على زر Enter