خطبة الجمعة للشيخ علي الصددي – ٢/ ٩/ ١٤٤٤هـ الموافق 24 مارس 2023م جامع الإمام الصادق(ع) – الدراز
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد الله الذي هدانا لحمده، وجعلنا من أهله لنكون لإحسانه من الشاكرين، وليجزينا على ذلك جزاء المحسنين، والحمد لله الذي حبانا بدينه، واختصنا بملته، وسبلنا في سبل إحسانه لنسلكها بمنه إلى رضوانه، حمدا يتقبله منا، ويرضى به عنا، والحمد لله الذي جعل من تلك السبل شهره شهر رمضان،
شهر الصيام، وشهر الإسلام، وشهر الطهور،
وشهر التمحيص، وشهر القيام، الذي أنزل فيه
القرآن هدى للناس، وبينات من الهدى
والفرقان، فأبان فضيلته على سائر الشهور بما جعل له من الحرمات الموفورة، والفضائل المشهورة، فحرم فيه ما أحل في غيره إعظاما، وحجر فيه المطاعم والمشارب إكراما، وجعل له وقتا بينا لا يجيز – جل وعز – أن يقدم قبله، ولا يقبل أن يؤخر عنه.
وأشهد ألا إله إلا الله عَٰلِمُ ٱلۡغَيۡبِ وَٱلشَّهَٰدَةِۖ هُوَ ٱلرَّحۡمَٰنُ ٱلرَّحِيمُ هُوَ ٱللَّهُ ٱلۡخَٰلِقُ ٱلۡبَارِئُ ٱلۡمُصَوِّرُۖ لَهُ ٱلۡأَسۡمَآءُ ٱلۡحُسۡنَىٰۚ يُسَبِّحُ لَهُۥ مَا فِي ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَٱلۡأَرۡضِۖ وَهُوَ ٱلۡعَزِيزُ ٱلۡحَكِيمُ.
وأشهد أنّ محمّد بن عبد الله عبده ورسوله (صلّى الله عليه وآله)، أرسله داعيا إلى الحقّ، وشاهدا على الخلق، فبلغ رسالات ربّه، وجاهد في الله أعداءه، إمام من اتقى، وبصر من اهتدى.
عباد الله وإماءه، أوصيكم بتقوى الله، ومن اتّقاه أمنه وآمنه؛ قال سبحانه: “إِنَّ ٱلۡمُتَّقِينَ فِي مَقَامٍ أَمِينٖ”- الدخان: ٥١-.
أمّا بعد- إيّها المؤمنون والمؤمنات- فإلى حديث حول الإنفاق، يقول الله (جلّ ذكره) حاثّا على الإنفاق: “مَّثَلُ ٱلَّذِينَ يُنفِقُونَ أَمۡوَٰلَهُمۡ فِي سَبِيلِ ٱللَّهِ كَمَثَلِ حَبَّةٍ أَنۢبَتَتۡ سَبۡعَ سَنَابِلَ فِي كُلِّ سُنۢبُلَةٖ مِّاْئَةُ حَبَّةٖۗ وَٱللَّهُ يُضَٰعِفُ لِمَن يَشَآءُۚ وَٱللَّهُ وَٰسِعٌ عَلِيمٌ”- البقرة: ٢٦١-.
ويقول سبحانه: “وَمَثَلُ ٱلَّذِينَ يُنفِقُونَ أَمۡوَٰلَهُمُ ٱبۡتِغَآءَ مَرۡضَاتِ ٱللَّهِ وَتَثۡبِيتٗا مِّنۡ أَنفُسِهِمۡ كَمَثَلِ جَنَّةِۭ بِرَبۡوَةٍ أَصَابَهَا وَابِلٞ فَـَٔاتَتۡ أُكُلَهَا ضِعۡفَيۡنِ فَإِن لَّمۡ يُصِبۡهَا وَابِلٞ فَطَلّٞۗ وَٱللَّهُ بِمَا تَعۡمَلُونَ بَصِيرٌ”- البقرة: ٢٦٥-،
فبدأ سبحانه بالتنويه على عنصرٍ هو قوام وجوهر العبادة، وإذا ما تمثّله العبد حتى في غير العبادات ارتقت إلى رتبة العبادات من جهة استحقاق الثواب على الإتيان بها، وهذا العنصر هو طلب رضا الله، وألا يريد من العمل كالإنفاق مع الله ولأجل وجهه ما سواه، وما من عبدٍ راقب وجه غير الله واستقطبه رضاه إلا وقد سفه نفسه، “.. وَمَن يُؤۡتَ ٱلۡحِكۡمَةَ فَقَدۡ أُوتِيَ خَيۡرٗا كَثِيرٗاۗ..”- البقرة: ٢٦٩-، وثنّى سبحانه بذكر عنصر آخر، هو من الأهمّيّة بمكان، فقال سبحانه: (وَتَثۡبِيتٗا مِّنۡ أَنفُسِهِمۡ)، فمن تحدّث عنهم ينفقون ولا يبارحهم اعتقاد جازم بأنّهم سيجازون بالحسنى، وهذا من التصديق بوعد الله سبحانه؛ قال سبحانه: “فَأَمَّا مَنۡ أَعۡطَىٰ وَٱتَّقَىٰ :: وَصَدَّقَ بِٱلۡحُسۡنَىٰ :: فَسَنُيَسِّرُهُۥ لِلۡيُسۡرَىٰ”- الليل: ٥- ٧-، وهذا الاعتقاد والتصديق يستحثّهم على البذل والإنفاق أيضاً. وقد وعدهم الله سبحانه بأن يعوّضهم عن إنفاقهم، فقال سبحانه: “قُلۡ إِنَّ رَبِّي يَبۡسُطُ ٱلرِّزۡقَ لِمَن يَشَآءُ مِنۡ عِبَادِهِۦ وَيَقۡدِرُ لَهُۥۚ وَمَآ أَنفَقۡتُم مِّن شَيۡءٖ فَهُوَ يُخۡلِفُهُۥۖ وَهُوَ خَيۡرُ ٱلرَّٰزِقِينَ”- سبأ: ٣٩-، وقال سبحانه: “.. وَمَا تُنفِقُواْ مِنۡ خَيۡرٖ فَلِأَنفُسِكُمۡۚ- إلى أن قال:- وَمَا تُنفِقُواْ مِنۡ خَيۡرٖ يُوَفَّ إِلَيۡكُمۡ وَأَنتُمۡ لَا تُظۡلَمُونَ”- البقرة: ٢٧٢-.
ثمّ لا يبعد في قوله: (وَتَثۡبِيتٗا مِّنۡ أَنفُسِهِمۡ)- بعد عدم ذكر أنّ أنفسهم قد ثبّتت أيّ شيء وصدّقت به- أن يكون منه التصديق بالتعويض عن إنفاقهم أيضاً، هذا.
وقد تفنّن الكتاب العزيز في الإشارة إلى هذا التعويض باستعمال مفردة الإقراض في التعبير عن الإنفاق إذ قال: “مَّن ذَا ٱلَّذِي يُقۡرِضُ ٱللَّهَ قَرۡضًا حَسَنٗا فَيُضَٰعِفَهُۥ لَهُۥٓ أَضۡعَافٗا كَثِيرَةٗۚ وَٱللَّهُ يَقۡبِضُ وَيَبۡصُۜطُ وَإِلَيۡهِ تُرۡجَعُونَ”- البقرة: ٢٤٥-، وقال في كريمة من كرائم آيات كتابه: “مَّن ذَا ٱلَّذِي يُقۡرِضُ ٱللَّهَ قَرۡضًا حَسَنٗا فَيُضَٰعِفَهُۥ لَهُۥ وَلَهُۥٓ أَجۡرٞ كَرِيمٞ”- الحديد: ١١-؛ فإنّ الإقراض يقتضي أن يردّ المقرَض أو المقترض مثل ما أُقرض له.
وقد أشار سبحانه إلى عنصر ثالث، وهو الآخر لا يقلّ عن سابقيه من حيث الأهمّيّة، وهو ضرورة ألا يغيب عن وعي العبد أن ما تنفقه وإن كنت قد اكتسبته وجهدت في تحصيله فهو من مال الله، فقال (جلّ وعزّ): “يَا أَيُّهَا ٱلَّذِينَ آمَنُوٓاْ أَنفِقُواْ مِمَّا رَزَقۡنَٰكُم ..”- البقرة: ٢٥٤-، فهو ماله وقد رزقك إيّاه.
ويقول الله سبحانه- فيما يخصّ إعلان الإنفاق والصدقة والإسرار بها- “إِن تُبۡدُواْ ٱلصَّدَقَٰتِ فَنِعِمَّا هِيَۖ وَإِن تُخۡفُوهَا وَتُؤۡتُوهَا ٱلۡفُقَرَآءَ فَهُوَ خَيۡرٞ لَّكُمۡۚ وَيُكَفِّرُ عَنكُم مِّن سَيِّـَٔاتِكُمۡۗ وَٱللَّهُ بِمَا تَعۡمَلُونَ خَبِيرٞ”- البقرة: ٢٧١-، فلا بأس في إبدائها وإظهارها سيما إذا كان المعلن لها في معرض اقتداء الآخرين به، ولكنّ الأفضل هو إخفاؤها والإسرار بها، وقد ورد عن رسول الله (صلى الله عليه وآله)أنّه قال: “صدقة السرّ تطفي غضب الربّ تبارك وتعالى”.
ويقول الله سبحانه- فيما يخصّ ما يُختار للإنفاق-: “يَا أَيُّهَا ٱلَّذِينَ آمَنُوٓاْ أَنفِقُواْ مِن طَيِّبَٰتِ مَا كَسَبۡتُمۡ وَمِمَّآ أَخۡرَجۡنَا لَكُم مِّنَ ٱلۡأَرۡضِۖ وَلَا تَيَمَّمُواْ ٱلۡخَبِيثَ مِنۡهُ تُنفِقُونَ وَلَسۡتُم بِـَٔاخِذِيهِ إِلَّآ أَن تُغۡمِضُواْ فِيهِۚ وَٱعۡلَمُوٓاْ أَنَّ ٱللَّهَ غَنِيٌّ حَمِيد”- البقرة: ٢٦٧-، فاختر الطيّب والجيّد لتنفقه، وحاذر عن تقصّد الخبيث والرديء لتنفقه، والحال أنّه لو أعطي إليك لن تأخذه إلا على تقدير الإغضاء وعدم المبالاة بنقصه ورداءته. وأمر ما يختار للإنفاق هو محكّ لإيمان العبد من جهة، ولتواضعه وصدقه في حبّه لأخيه ما يحبّه لنفسه من جهة أخرى.
وقد ضرب الله مثلاً بولدي آدم- هابيل وقابيل- وما اختاراه من أموالهما قربانا، مع الإلفات إلى سرّ تقبّل الله قربان هابيل دون قابيل، فقال سبحانه: “وَٱتۡلُ عَلَيۡهِمۡ نَبَأَ ٱبۡنَيۡ ءَادَمَ بِٱلۡحَقِّ إِذۡ قَرَّبَا قُرۡبَانٗا فَتُقُبِّلَ مِنۡ أَحَدِهِمَا وَلَمۡ يُتَقَبَّلۡ مِنَ ٱلۡأٓخَرِ قَالَ لَأَقۡتُلَنَّكَۖ قَالَ إِنَّمَا يَتَقَبَّلُ ٱللَّهُ مِنَ ٱلۡمُتَّقِينَ”- المائدة: ٢٧-، فقد روى ثقة الإسلام الشيخ الكلينيّ (رضي الله عنه) في (الكافي) ورئيس المحدّثين الشيخ الصدوق (رضي الله عنه) في كتابه (إكمال الزين وإتمام النعمة) بسندين معتبرين عن محمد بن الفضيل عن أبي حمزة (الثماليّ) عن أبي جعفر (عليه السلام)- في حديث- قال: إن آدم (عليه السلام) أمر هابيل وقابيل أن يقرّبا قربانا، وكان هابيل صاحب غنم وكان قابيل صاحب زرع، فقرّب هابيل كبشا من أفاضل غنمه، وقرّب قابيل من زرعه ما لم ينقّ، فتُقبّل قربان هابيل، ولم يُتقبّل قربان قابيل، وهو قول الله (عزّ وجلّ) : (وَٱتۡلُ عَلَيۡهِمۡ نَبَأَ ٱبۡنَيۡ آدَمَ بِٱلۡحَقِّ إِذۡ قَرَّبَا قُرۡبَانٗا فَتُقُبِّلَ مِنۡ أَحَدِهِمَا وَلَمۡ يُتَقَبَّلۡ مِنَ ٱلۡأٓخَرِ).
ثمّ إنّ ما يهمّنا هنا هو سرّ تقبّل قربان هابيل، وهو ما أبداه لأخيه لمّا عزم على قتله على إثر عدم تقبّل قربانه، وهو ما حكاه الله سبحانه عن لسان هابيل (عليه السلام): (قَالَ إِنَّمَا يَتَقَبَّلُ ٱللَّهُ مِنَ ٱلۡمُتَّقِينَ)، فلا يتقبّل من عملك إلا ما اتّقيت وراعيت الله فيه، ولمّا لم يتقِ قابيل ربّه في قربانه، بأن اختار رديء زرعه لذلك، لم يتقبّل منه، وقد قال الله- منبّهاً على أهمّيّة تقواه في البذل والعطاء والإنفاق-: “فَأَمَّا مَنۡ أَعۡطَىٰ وَٱتَّقَىٰ :: وَصَدَّقَ بِٱلۡحُسۡنَىٰ :: فَسَنُيَسِّرُهُۥ لِلۡيُسۡرَىٰ”- الليل: ٥- ٧-، هذا.
وإنّ ما دعاني لأتحدّث عن الإنفاق في هذا المقام هو ما ورد في خطبة النبيّ (صلّى الله عليه وآله)-،- وقد أسلفت بعض الحديث عنها-، وهو أربع فقرات أو مقاطع.
الأوّل في الصدقة، وهو قوله: (صلّى الله عليه وآله): “وتصدّقوا على فقرائكم ومساكينكم”.
والثاني في صلة الرحم: وهو قوله (صلّى الله عليه وآله): “وصلوا أرحامكم..”، وجاء في نفس الخطبة النبويّة في هذا الصدد: “ومن وصل فيه رحمه وصله الله برحمته يوم يلقاه، ومن قطع فيه رحمه قطع الله عنه رحمته يوم يلقاه”.
والثالث في التحنّن على الأيتام، وهو قوله (صلّى الله عليه وآله) : “وتحنّنوا على أيتام الناس يتحنّن على أيتامكم”.
والرابع في في الإطعام بإفطار الصائم، وهو قوله (صلّى الله عليه وآله): “أيّها الناس من فطّر منكم صائما مؤمنا في هذا الشهر كان له بذلك عند الله (عزّ وجلّ) عتق رقبة ومغفرة لما مضى من ذنوبه، فقيل له: يا رسول الله، ليس كلّنا يقدر على ذلك، فقال (صلّى الله عليه وآله): اتقوا النار ولو بشقّ تمرة، اتقوا النار ولو بشربة من ماء”.
ويجمع هذه الموارد عنوان العطاء والإنفاق حتى صلة الرحم؛ فإنّ أعلى مراتبها أن تصل رحمك بمالك حيث يكون محتاجاً، حتى ورد عن النبيّ (صلّى الله عليه وآله): “يا عليّ، لا صدقة وذو رحم محتاج”، فلا تتصدّق حينما يكون التصدّق مفوّتاً لصلة رحمك؛ فإنّ الصدقة مندوبة وصلة الرحم واجبة. وأمّا تفقّد الرحم والسلام عليه فهو أدنى الصلة.
وأختم حديثي حول الإنفاق براويتين رواهما ثقة الإسلام الكلينيّ (رضي الله عنه) في (الكافي) في تفسير قول الله سبحانه: “وَٱلَّذِينَ فِيٓ أَمۡوَٰلِهِمۡ حَقّٞ مَّعۡلُومٞ :: لِّلسَّآئِلِ وَٱلۡمَحۡرُومِ”- المعارج: ٢٤، ٢٥-:
الأولى: رواها بسند صحيح عن أبي بصير قال: كنا عند أبي عبد الله (عليه السلام) ومعنا بعض أصحاب الأموال فذكروا الزكاة فقال أبو عبد الله (عليه السلام): إن الزكاة ليس يحمد بها صاحبها وإنما هو شئ ظاهر إنما حقن بها دمه وسمي بها مسلما ولو لم يؤدها لم تقبل له صلاة وإن عليكم في أموالكم غير الزكاة، فقلت: أصلحك الله وما علينا في أموالنا غير الزكاة؟ فقال: سبحان الله أما تسمع الله (عزّ وجلّ) يقول في كتابه: “وَٱلَّذِينَ فِيٓ أَمۡوَٰلِهِمۡ حَقّٞ مَّعۡلُومٞ :: لِّلسَّآئِلِ وَٱلۡمَحۡرُومِ”، قال: قلت ” ماذا الحق المعلوم الذي علينا؟ قال: هو الشئ يعمله الرجل في ماله يعطيه في اليوم أو في الجمعة أو في الشهر قل أو كثر غير أنه يدوم عليه.
الرواية الثانية: رواها بسند معتبر عن عبد الرحمن بن الحجاج عن القاسم بن عبد الرحمن الأنصاري قال: سمعت أبا جعفر (عليه السلام) يقول: إن رجلا جاء إلى أبي علي بن الحسين (عليهما السلام) فقال له: أخبرني عن قول الله عز وجل: “وَٱلَّذِينَ فِيٓ أَمۡوَٰلِهِمۡ حَقّٞ مَّعۡلُومٞ :: لِّلسَّآئِلِ وَٱلۡمَحۡرُومِ”، ما هذا الحق المعلوم؟ فقال له علي بن الحسين (عليهما السلام): الحق المعلوم الشئ يخرجه الرجل من ماله ليس من الزكاة ولا من الصدقة المفروضتين، قال: فإذا لم يكن من الزكاة ولا من الصدقة فما هو؟ فقال: هو الشئ يخرجه الرجل من ماله إن شاء أكثر وإن شاء أقل على قدر ما يملك، فقال له الرجل: فما يصنع به؟ قال: يصل به رحما ويقري به ضيفا، ويحمل به كلا أو يصل به أخا له في الله أو لنائبة تنوبه، فقال الرجل: الله يعلم حيث يجعل رسالاته.
اللهم صل على محمد وآله، وإن ملنا فيه فعدلنا، وإن زغنا فيه فقومنا وإن اشتمل علينا عدوك الشيطان فاستنقذنا منه، اللهم اشحنه بعبادتنا إياك، وزين أوقاته بطاعتنا لك، وأعنا في نهاره على صيامه، وفي ليله على الصلاة والتضرع إليك، والخشوع لك، والذلة بين يديك
حتى لا يشهد نهاره علينا بغفلة، ولا ليله بتفريط.
اللهم صل على محمد وآله، واغفر لنا ولجميع المؤمنين والمؤمنات، وتب علينا إنّك أنت التوّاب الرحيم، اللهم إنّا نحبّ محمّداً وآل محمد فاحشرنا معهم، اللهم إنّا نحبّ عمل محمّد وآل محمّد فأشركنا في عملهم، اللهم أرنا في آل محمّد (عليهم السلام) ما يأمَلون، وفي عدوّهم ما يحذرون، اللهم انصر من نصر الدين، واخذل من خذل الدين، وأحلل غضبك بالقوم الظالمين.
إنّ أحسن الحديث كتاب الله العزيز: أعوذ بالله السميع العليم من الشيطان الرجيم “بسم الله الرحمن الرحيم أَرَءَيۡتَ ٱلَّذِي يُكَذِّبُ بِٱلدِّينِ :: فَذَٰلِكَ ٱلَّذِي يَدُعُّ ٱلۡيَتِيمَ :: وَلَا يَحُضُّ عَلَىٰ طَعَامِ ٱلۡمِسۡكِينِ :: فَوَيۡلٞ لِّلۡمُصَلِّينَ :: ٱلَّذِينَ هُمۡ عَن صَلَاتِهِمۡ سَاهُونَ :: ٱلَّذِينَ هُمۡ يُرَآءُونَ :: وَيَمۡنَعُونَ ٱلۡمَاعُونَ.
الحمد لله ما وجد في حمده مذهب، و ما بقي للحمد لفظ يحمد به، و معنى ينصرف إليه، يا من تحمد إلى عباده بالإحسان والفضل،
وغمرهم بالمن والطول، ما أفشى فينا نعمتك، وأسبغ علينا منتك، وأخصنا ببرك، هديتنا لدينك الذي اصطفيت، وملتك التي ارتضيت، وسبيلك الذي سهلت، وبصرتنا الزلفة لديك، والوصول إلى كرامتك، اللهم وأنت جعلت من صفايا تلك الوظائف، وخصائص تلك الفروض شهر رمضان الذي اختصصته من سائر الشهور، وتخيرته من جميع الأزمنة والدهور، وآثرته على كل أوقات السنة بما أنزلت فيه من القرآن والنور، وضاعفت فيه من الإيمان، وفرضت فيه من الصيام، ورغبت فيه من القيام، وأجللت فيه من ليلة القدر التي هي خير من ألف شهر، ثم آثرتنا به على سائر الأمم، واصطفيتنا بفضله دون أهل الملل.
وأشهد ألا إله إلا وحده لا شريك له ولا عديل ولا خلف لقوله ولا تبديل، وأشهد أنّ محمداً عبده ورسوله أرسله بالهدى ودين الحقّ ليظهره على الدين كلّه ولو كره المشركون.
عباد الله وإماءه، أوصيكم ونفسي بتقوى الله،الذي أوصى بها، ودلّنا على خطرها، وأوقفنا على أثرها؛ فإنّها الجنّة الواقية، والدرع الحصين والمقام الأمين.
اللهم صلّ على محمد خاتم النبيّين والمرسلين الصادق الأمين، وعلى عَليٍّ أميرِ المُؤمِنينَ وَوَصيِّ رَسولِ رَبِّ العالَمينَ وعَلى الصِّدّيقَةِ الطَّاهِرَةِ فِاطِمَةَ سَيِّدَةِ نِساءِ العالَمينَ، وَصَلِّ عَلى سِبطَي الرَّحمَةِ وَإمامَي الهُدى الحَسَنِ وَالحُسَينِ، وَصَلِّ عَلى أئِمَّةِ المُسلِمينَ عَليِّ بنِ الحُسَينِ وَمُحَمَّدِ بنِ عَليٍّ وَجَعفَرِ بنِ مُحَمَّدٍ وَموسى بنِ جَعفَرٍ وَعَليِّ بنِ موسى وَمُحَمَّدِ بنِ عَليٍّ وَعَليِّ بنِ مُحَمَّدٍ وَالحَسَنِ بنِ عَليٍّ وَالخَلَفِ الهادي المَهدي، حُجَجِكَ عَلى عِبادِكَ وَاُمَنائِكَ في بِلادِكِ صَلاةً كَثيرَةً دائِمَةً.
اللهُمَّ وَصَلِّ عَلى وَليِّ أمرِكِ القائِمِ المُؤَمَّلِ وَالعَدلِ المُنتَظَرِ وَحُفَّهُ بِمَلائِكَتِكَ المُقَرَّبينَ وَأيِّدهُ بِروحِ القُدُسِ يا رَبَّ العالَمينَ.
اللهم واحفظ وسدّد وأيّد نوّابه بالحقّ، والفقهاء العدول، والعلماء العاملين.
أما بعد أيّها الملأ المؤمن الكريم فإلى عنوانين:
العنوان الأول: الصوم وسوء الخلق:
إنّ المحسوس للصائم ولغيره تفلّت أعصاب بعض الصائمين وسوء ملكتهم وأخلاقهم، والحاجة إلى الطعام لسدّ الجوع كما غيره من حاجات البدن قد تؤذن بذلك، وكما يستطرق بالصوم لترويض النفس على ترك الطعام والشراب فإنّه من جملة ما دعينا إليه هو صبط الأعصاب وحمل النفس على التوازن ما أمكن، ففي الخطبة النبوية: ” أيّها الناس من حسّن منكم في هذا الشهر خلقه كان له جواراً على الصراط يوم تزلّ فيه الأقدام”.
[العنوان الثاني: الوطن وآهاته:]
أما آن لهذا الوطن العزيز أن يعود معافى من جراحه وآلامه، وقد أهلّنا وأطلّ علينا شهر رمضان شهر البركة والخير (آما آن) أن تحلحل وتغلق ملفاته العالقة لعقود، وأن تكون تباشير شهر رمضان- بدل السجون المفتوحة- هو إطلاق السجناء وإرجاع المبعدين وما إلى ذلك.
اللهم صلّ على محمّد وآل محمّد، واغفر لنا ولجميع المؤمنين والمؤمنات، وتجاوز عنّا، وهب لنا رحمة واسعة جامعة نبلغ بها خير الدنيا والآخرة، إله الحقّ وخالق الخلق.
“إِنَّ ٱللَّهَ يَأۡمُرُ بِٱلۡعَدۡلِ وَٱلۡإِحۡسَٰنِ وَإِيتَآيِٕ ذِي ٱلۡقُرۡبَىٰ وَيَنۡهَىٰ عَنِ ٱلۡفَحۡشَآءِ وَٱلۡمُنكَرِ وَٱلۡبَغۡيِۚ يَعِظُكُمۡ لَعَلَّكُمۡ تَذَكَّرُونَ”.

